خمس تداعيات مباشرة وأساسية لانتهاج مسار اغتيال قادة الصف الأول، وهو المتحور الجديد لخطة نتنياهو اسجابة لتخفيف وتيرة الحرب في غزة، لاضمحلال بنك الأهداف وعدم توافر الكثير لتدميره وقتله بعد عشرة أشهر من الدمار الكامل والشامل.
وأيضاً لعدم قدرة نتنياهو السياسية على الوقف الكامل للحرب الذي يعتبر بمثابة اعلان الهزيمة العسكرية وبالتالي السياسية. لذا، كان من مخرجات زيارة واشنطن موافقة ضمنية على تحقيق بنك أهداف من دون الدخول في التفاصيل أميركيّاً لكي لا تتحمل واشنطن مسؤولية مباشرة، فأتت مجزرة مجدل شمس الغطاء النظري لما تلاها بعد ساعات، وما قد يليها في الأيام المقبلة، من اغتيالات للصف الاول عسكرياً في لبنان
والصف الأول سياسياً لـ»حماس» اسماعيل هنية في قلب طهران.
ماذا يعني اغتيال هنية في طهران؟
هو خرق لأصول الضيافة السياسية وضربة تعتبر موجهة مباشرة لإيران على أرضها، وتحمّلها مسؤوليةً معنوية، وهذه المسؤولية تدخل في حسابات الرد والردع، نوعاً وكمّاً، وهي التي بادرت الى الرد المباشر إثر تعرّض سفارتها للقصف في دمشق، فكيف بالحري اليوم والواقعة في طهران؟
ولهذا الاغتيال تداعياته الأمنية على مستوى استقرار المنطقة، وتداعيات سياسية على مستوى المفاوضات حول غزة ومصيرها والمفاوضات الدولية الأكبر وقد تكون ذات دفع إيجابي عليها، على عكس ما يظنّ البعض، وعلى مستوى الضغط الدولي لوقف الحرب كلما اقتربت من خطوطها الحمر، تداعيات اجتماعية على مستوى اللحمة الداخلية ورَص وتعزيز الصفوف في المواجهة والتعالي عن الخلافات الصغيرة والكبيرة، وهذا تماماً لإعلان بكين بين الفصائل، وهناك التداعيات على مستوى تعزيز التحالفات الاقليمية. واللافت التصعيد التركي الذي هدد بالدخول المباشر على خط النزاع، بالاضافة الى التداعيات الاقتصادية من خلال التراجع عن الاستثمارات والتأثير على المشاريع الاقتصادية العملاقة وهذه تدفع بالسعودية والامارات الى التحرك، والتجارية وما للملاحة من تأثير مباشر على التجارة والاقتصاد الدوليين.
الرَد حتمي؟
حتماً إيران سترد على الاعتداء الواضح وعلى الاغتيال السياسي الذي خرق الأعراف والقوانين الدولية والانسانية بشهادة دول أوروبية علّقت على الحادثة، وهذا ما يفسر تريّث اسرائيل في الاعلان عن مسؤوليتها، لكن لا مفر من الجريمة والادانة، يبقى السؤال الذي يُراود الملايين في المنطقة والعالم متى وأين وكيف؟
في التوقيت، من المعروف عن ايران اعتمادها واتقانها فن الصبر الاستراتيجي والرهان على الوقت وأخذه لمصلحتها، الا أن هذا الرهان لم يسِر في الرد السريع والمباشر من ايران على الاعتداء على قنصليتها في دمشق. اذاً نلحظ انّ وتيرة انخراط ايران المباشر في الحرب والمواجهة بدأت تتزايد، وربما يستمر هذا المسار ونشهد رداً سريعاً خلال ساعات وربما قبَيل التشييع بحسب أعراف الثأر التقليدية المتعارف عليها في مجتمعاتنا الشرقية، خصوصاً أن علم الثأر الخاص ذا اللون الأحمر قد رفع رسمياً في طهران على قبب المسجد الكبير وسط العاصمة حيث تقام مراسم التشييع قبل نقل جثمان هنية الى قطر لإتمام مراسم التشييع والدفن.
الرد المؤجّل، باعتماد الرهان على الوقت وعناء انتظار العدو للردّ، وبحثاً عن أهداف دسمة، ونتائجه مضمونة قد تتطلب العدول عن التسرع في الرد وهذه الفترة قد تدوم لأسابيع أو أشهر ربما.
الرد التدريجي، ويبدأ بسلسلة خطوات تدريجية في أماكن وأزمنة مختلفة، تتدحرج لتصبح أكبر وأكثر، في وتيرة وأمكنة ومواقيت مختلفة تضمن حرية الحركة ومرونة الاداء وتكون ذات طبيعة مفتوحة غير محددة بمكان وزمان معينين.
في الطريقة، معروف عن ايران تطوّر قدراتها الصاروخية الذكية والدقيقة منها، البالستية الثقيلة والاستراتيجية المجهزة لحمل رؤوس نووية في حال توافرها، وهذا مرهون بما هو معلوم أو مجهول حول برنامجها النووي، الاّ أن الصواريخ ليست لوحدها في حسابات الرد، بل انّ كثيراً من السيناريوهات مطروحة في ساحة النزال منها:
ـ الهجمات الصاروخية أو المسيرة، التي من الممكن أن تستهدف مواقع عسكرية أو مدنية داخل اسرائيل مع الحفاظ على عنصر المباغتة الذي كان مفقوداً وربما عن قصد في الرد الأخير ابّان استهداف القنصلية في دمشق.
ـ عمليات تخريبية، ما خلا تنفيذ عمليات سرية، تستهدف البنية التحتية الاسرائيلية بأشكال متعددة ومختلفة مع الاعلان عن المسؤولية من عدمه.
ـ الرد غير المباشر، عبر الحلفاء، خصوصاً أن الجريمة مركبة، أي أن الشخصية المستهدفة فلسطينية اذ ان كل فصائل المقاومة الفلسطينية معنية، والارض ايرانية، مما يخوّل ايران الرد المباشر ويخوّل كل حلفائها من «حزب الله» في لبنان الى العراق بالرَد، والعملية تدخل في صلب تداعيات ٧ أكتوبر اذ تدخل ضمن معادلة الحوثيين الردعية والمساندة لحرب غزة منذ اندلاعها، على رغم من أن الترجيحات تشير الى أن الرد الايراني المباشر حَتمي وقد يسبقه من حيث التوقيت رد كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة «حماس». وكذلك رد الحوثيين من اليمن سواء داخل اسرائيل أو في البحر الأحمر.
ـ الحرب السيبرانية وغير التقليدية، من خلال الهجمات التكنولوجية و»داتا» الاتصالات وتعطيل المواصلات والبنية التحتية والفوقية الالكترونية، بالاضافة الى حرب الدعاية والحرب النفسية التي تدخل كلها في المعادلة وتشكل جزءًا من مسار الرد الذي يمكن أن يكون فورياً أو متمادياً.
الاعتبارات الاستراتيجية
لا شك أن تطور النزاع مع اسرائيل والاحداث الأخيرة في غزة ولبنان، جعلا المنطقة في مرحلة هي الأكثر حراجة ودقة في العقدين الأخيرين، الا أن المسارات والحسابات الاستراتيجية قد تكون في مكان آخر.
قد يكون تجنّب التصعيد وعدم الانزلاق في حرب شاملة في المنطقة احد الأهداف الاستراتيجية التي يصعب التغلب منها ولو بقي هامش المناورة مفتوحا وواسعا إنما لا يتخطى الحدود المرسرمة، اذ أن الالتزام المتبادل بضوابط الاشتباك في جنوب لبنان يظهر في وضوح عدم وجود قرار بالانزلاق نحو الحرب الكبرى، وكذلك مسار المفاوضات الايرانية ـ الاميركية غير المباشرة عبر العراق وسلطنة عمان، والمفاوضات الاميركية مع «حزب الله» غير المباشرة أيضا بين الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين ورئيس مجلس النواب نبيه بري، توحي بأنها ثابتة وقوية وتواجه حسابات نتنياهو التي يريد من خلالها جَر المنطقة وأميركا الى حرب لإنقاذ موقفه السياسي.
إيران الاصلاحية تساعد في استقرار المنطقة
ولا يغيب عن حسابات المنطقة وصول الاصلاحي مسعود بزشكيان إلى رئاسة السلطة التنفيذية في ايران، واختياره محمد جواد ظريف وزير الخارجية السابق أحد مستشاريه، يفتح الشهية الأميركية على مزيد من التفاوض والانفتاح على ايران، وقد تكبح هذه الرغبة جماح التصعيد من خلال كبح شهية نتنياهو عن التصعيد واشعال المنطقة، على رغم من الخطاب الايراني العالي النبرة والالتزام بالخط الاستراتيجي العريض للمرشد الاعلى والحرس الثوري، وهذا أيضاً قد يشكّل محط تجازب سياسي وكباش داخلي ايراني، خصوصا مع تزايد التحديات والتهديدات الخارجية وطريقة التعاطي معها بين معسكري المحافظين والاصلاحيين الذين وصلوا الى السلطة.
تعزيز التحالفات الاقليمية والدولية
قد تستفيد ايران من الاعتداءات والهجمات الاسرائيلية بمزيد من التعاون والتعاضد مع حلفاء تقليديين وحلفاء جدد، وقد تدخل الروس على خط الرد لأنهم باتوا رأس حربة في مواجهة أميركا والغرب وحلف «الناتو»، من خلال الحرب الاوكرانية وما لها من تداعيات على العلاقات الروسية ـ الاميركية والروسية ـ الاوروبية وبالتالي الروسية ـ الاسرائيلية التي اتخذت موقفاً منحازاً داعماً للرئيس الاوكراني فلودومير زيلنسكي ضد روسيا، بالتقاطع مع طموح روسيا لتعزيز موقعها في الشرق الاوسط، وتفيد التقارير أنها لم تعد بعيدة عن أحداث البحر الاحمر من خلال مَدّ الحوثيين بالصواريخ الحديثة، وروسيا في ذلك لها حسابات قديمة تاريخية مع المياه الدافئة التي كانت جزءا أساسيا من قدومها الى سوريا عبر البحر المتوسط ولا يزعجها تعزيز نفوذها في البحر الأحمر المتاخم لافريقيا الشرقية بعد سيطرتها على غرب افريقيا وجزء كبير من شمالها عبر دورها في ليبيا وتحالفها مع الجزائر.
السيناريو الأكثر ترجيحاً
من المرجّح أن ترد ايران مباشرة على الاعتداء المباشر على أراضيها وانتهاك سيادتها، وتحصيل شرفها بيدها كما اشار رئيس الجمهورية الاصلاحي. ومن المتوقع أيضا أن تحضّر «كتائب القسام» لرد قوي وسريع على اغتيال هنية، وكذلك تنشيط وتيرة الهجمات اليمنية على اسرائيل أو المصالح الاسرائيلية بنحوٍ لافت وملحوظ انخراطاً بعملية الرد، بالاضافة الى الاحتمالات المفتوحة ابّان الاعلان الرسمي عن اغتيال القائد العسكري في «حزب الله» فؤاد شكر وما قد يعكسه من تصعيد بين الحزب واسرائيل، وما قد تخفيه الايام المقبلة من اغتيالات جديدة على قائمة نتنياهو بحثاً عن انتصار بدل من أن يحصل عليه سيُغرق المنطقة في مرحلة من حبس الأنفاس والمسار الضبابي المجهول.