أما وقد قامت إيران بالرد على ما اعتبرته انتهاكاً لسيادتها وأمنها القومي من قبل إسرائيل التي قامت في الأول من نيسان بقصف القنصلية الإيرانية في دمشق محدثة أضراراً جسيمة في المبنى وسقوط حوالي 16 قتيلاً. وقد اعتبرت إيران أن ذلك شكّل انتهاكاً للقانون الدولي ليس لسوريا فحسب إنما لإيران، وذلك بحسب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي نصت على اعتبار مقر البعثات الدبلوماسية والقنصليات أراضٍ تابعة للدولة المعتمدة وتتمتع بالحصانة الدبلوماسية.
رد إيران
اعتبر أكثر من مرجع سياسي ودولي أن الرد الإيراني شكّل رداً غير مسبوق إن من حيث القوة وإن من حيث نوعية الأسلحة المستعملة التي استطاعت الوصول إلى أهدافها بدقّة متناهية، هذه الأهداف التي تقع على بُعد أكثر من 1100 كم عن الأراضي الإيرانية، وقد استدعى الرد الإيراني انعقاد مجلس الأمن بصورة طارئة للنظر في هذا الموضوع الذي من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة على حد قول الدول الغربية. فالدول الغربية الملتزمة بأمن إسرائيل كانت قد هبّت للدفاع عن الدولة العبرية معتبرة أن هنالك اعتداء من قبل إيران وذلك دون الإشارة إلى القصف الصاروخي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق.
العِبَر من الرد الإيراني
بغض النظر عن الدعاية الإعلامية الصهيونية والغربية والتي تعتبر الهجوم الإيراني فاشلاً في كل المعايير، فإنه ينبغي علينا التوقف عند عدة نقاط أهمها:
أولاً – إن الصواريخ والمسيّرات الإيرانية أصابت أهدافها بدقّة متناهية محدثة أضراراً في قاعدتين لسلاح الجو الإسرائيلي، لا سيما القواعد المخصصة لانطلاق القاذفات F35 التي اعتبرتها إيران مسؤولة عن هجوم القنصلية.
ثانياً – إن عدد المسيّرات المستعملة التي هي أكثر تقدّماُ مما يعرف بـ Drone وهي أقرب إلى طائرات حربية بدون طيار، التي تجاوز عددها المئة وسبعين مسيّرة، استطاعت قطع مسافة 1100 كم وهذه تعتبر مسافة كبيرة جداً حيث أن القاذفات العادية لا يمكن قطعها بدون التزوّد بالوقود في الجو. وقد تمكّنت المسيّرات من تخطّي الرادارات الإسرائيلية ومنظومات الدفاع. كذلك كان لافتاً الصواريخ الباليستية التي تجاوز الـ 110 صاروخاً وعدد صواريخ كروز التي تجاوز عددها الـ 30.
ثالثاُ – لقد ثبت أن منظومات الدفاع الإسرائيلية وقفت عاجزة أمام هذا الخرق الكبير للأجواء مما استدعى تدخّلاً مباشراً لسلاح الجو الأميركي وأنظمته الدفاعية، بالإضافة إلى تدخّل فرنسي – إنجليزي وعدد من الدول الأوروبية التي عملت مجتمعة واستطاعت التصدّي للصواريخ وللعدد الأكبر من المسيّرات. وبالرغم من كل ذلك استطاع عدد من الصواريخ والمسيّرات من الوصول إلى أهدافها. والسؤال المطروح ماذا لو لم تتدخّل الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية في عملية الردع هذه؟
رابعاً – لقد بات واضحاً أنه إزاء الفشل الكبير لإسرائيل في حربها ضد حماس، والتي تجاوزت الستة أشهر لم تستطع الدولة العبرية من تحقيق أهدافها المعلنة في القضاء على حماس وتحرير الرهائن، فإن المساعدة العسكرية المباشرة الأميركية والغربية للكيان الصهيوني باتت أكثر من ضرورية.
النتائج السياسية
لقد برهن الرد أن إيران قد دخلت بالفعل وليس بالقول نادي الدول الكبرى أقلّه في ما يخص منطقة الخليج والبحر الأحمر. ولكن المفارقة أن إيران لن تتدخّل بالحرب الدائرة في غزة مباشرة بل بواسطة اذرعها العسكرية، إلّا إذا تمّت مهاجمة إيران مباشرة. كذلك ومع الاعتماد الكلي لإسرائيل على أميركا والغرب بات في حكم المؤكد انصياع الدولة العبرية للإملاءات الأميركية، من هنا نفهم إعلان نتنياهو توقف العملية البرية في غزة.
وهكذا فإن المنطقة برمّتها دخلت في منطق قوة الردع المتبادل وأنه لا يمكن لأحد تغيير مسار اللعبة دون الوقوع في خطر الإنفجار الكبير.
* كاتب سياسي