قد يكفي عنوان المقالة للدلالة على الفحوى، فمحور المُمانعة، المُسبّب للدمار أينما حلّ، يعتمد الإنكار كمنهجية، والمقصود هنا ليس دمار الأبنية الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في لبنان وقبله في غزّة، بل الدمار الاخلاقي والاجتماعي والاستثماري والفكري الذي وصلت له البلدان المحكومة من قبل محور إيران الثوري، محور الولي الفقيه الإيديولوجي، الذي استخدم سلاح الخداع المعلوماتي والإعلامي بهدف التجهيل والتعمية على الحقائق، وبنيّة التهرّب من تحمّل مسؤولية الخطيئة التاريخية التي سبّبها للبنان وللعديد من الدول العربية. هذا الأسلوب المُدمّر للمجتمعات وللدول وللانتظام العام وللعلاقات السوية بين أبناء الوطن لم يكن مجرّد تقييم خاطئ للأمور أو قراءة مغلوطة من قبل قيادة المحور، بل دلالة على وهنها وضعفها الفكري لمواجهة التحدّيات، وافتقادها للمقدرة على مقاربة الأزمات، وتوليتها لشخصياتٍ غير كفوءة على حمل مسؤوليات محورية، ممّا أنتج قيادات ورهانات وقرارات ومشاريع فاشلة ووهمية، ولذا، فالإنكار هو السلاح الوحيد المتبقّي له للهروب من تحمّل مسؤولية الفشل، دفعاً باتجاه ممارسة القمع الفكري الذي يكفل إبقاء سطوته، بالقوة وليس بالحق.
الإنكار لحقائق الميدان في الجنوب اللبناني بات سلاحاً قاتلاً للبنان بأكمله، وسلاحاً بخدمة كافة أعداء لبنان، أعداء السيادة وأعداء الصيغة وأعداء الشراكة والوجود وأعداء الديمقراطية والحرّيات فيه، وأعداء مميّزات لبنان وخصائص الشعب اللبناني، وأعداء النجاحات اللبنانية. أعداء، اجتمعوا على مبارزة بعضهم البعض على الأراضي اللبنانية.
تباهى “حزب الله” وسيده الراحل حسن نصرالله وكافة قيادييه وخاصةً أمينه الحالي نعيم قاسم، على مدى 40 سنة بارتباطهم العضوي والفكري والثقافي والإيديولوجي السياسي والعسكري بنظام الملالي الإيراني، وتفاخروا بتبعيتهم الكاملة لتعاليم الولي الفقيه، شاكرينه على دعمه وتجهيزه لهم بالقدرات الردعية والإمكانيات المعلوماتية والمخابراتية “الهدهديّة” وغيرها من التقنيات المتطورة، قبل أن يُكشف زور هذا الدعم عند بدء أول ضربة من حرب التدمير والقتل والاغتيالات التي شنتها إسرائيل ضدهم، مُسقطةً بذلك شعارات المحور التي ظلّلت أعماله اللاشرعية، والتي لم تخلُ من الإعلان عن مشروع، إزالة إسرائيل، إلى الصلات في القدس، إلى، على طريق القدس، إلى تحرير الأراضي المحتلة، إلى استرداد حقوق العرب والمسلمين. كل تلك الخطابات الرنّانة تلاشت بلحظة الحقيقة، فاضحةً تنكّرهم عن سابق تصور وتصميم للدستور اللبناني وللقوانين اللبنانية وللسيادة اللبنانية وللشراكة اللبنانية، برفضهم لوثيقة التفاهم اللبنانية التي قضت بإلزامية تسليمهم السلاح للجيش اللبناني، وتنكّرهم للقرارات الدولية التي قضت بتسلّم الدولة اللبنانية سيادتها على الأراضي اللبنانية، ليتبيّن أنه ما كمن خلف خططهم هذه، إنكارهم لوجود لبنان الوطن والدولة.
يُصرّ محور المُمانعة – فرع لبنان على إنكار خسارته لحرب الإسناد، ولحرب التوازن مع إسرائيل، ليس بهدف إثبات أكاذيبه، أو لاعتقاده بأنه ما زال قادراً على تحقيق ذلك، بل بهدف الإبقاء على تماسك بيئته تحت سطوته، واستمرار إمرته على أتباعه وأعوانه من الداخل اللبناني، والاحتفاظ بأخذه الدولة اللبنانية رهينة حساباته الإيديولوجية. الإنسان لا قيمة له لدى محور الفشل الإنكاري، فالضحايا التي تسقط بالآلاف في لبنان، والدمار الهائل، والانهيار في الاقتصاد والقطاعات كافة والمصالح، بالنسبة له، هي بقيمة الخسائر الطفيفة التي تتكبدها إسرائيل، وتتساوى مع عشرات الضحايا الذين يسقطون في إسرائيل. المهم بالنسبة للمحور، الوصول إلى عقد جديد يُبقي للنظام الإيراني نفوذه على الساحة اللبنانية المُجاورة لإسرائيل. والأعداد بالنسبة للمحور لا تشغل باله، بل ثبات أهدافه السلطوية هي الهمّ. لا ظلم على الشعوب أكبر من ظلم الإيديولوجيين الناكرين لجميل الوطن عليهم والناكرين لفشلهم الدائم.