الحلّ بمعناه الدقيق يعني معالجة إحدى المشاكل، أمّا شروط نجاح الحلّ فتبدأ بتحديد اسباب المشاكل، وهذا الأمر يستدعي وضع التشخيص الصحيح المُتجرِّد والبعيد عن الميول الشخصية، وحينها فقط يُباشر بالخطوات العلاجية الحقيقية، اي بالحلّ. وبتطبيق هذه المعادلة على الوضع الوطني اللبناني الحالي نصل الى حتمية لا نقاش فيها، وهي أنّ “حزب الله” هو مشكل اللبنانيين، وأنّ حلَّه هو العلاج الأساسي لكافة مصائب اللبنانيين.
ولكن المعضلة تتمثّل في أن، لحلّ حزب أو مؤسسة أو شركة أو أي كيان قانوني، فمن البديهي اولاً وأصلاً أن يكون متواجداً، وفي حالة “حزب الله” فلا وجود رسمياً له في الدوائر اللبنانية، ولكنه موجود حتماً في سجلّات الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلى دفاتر مصروفات “الحرس الثوري الإيراني”، ومن هنا تبدأ علّة اللبنانيين الحقيقية. فمن يُعطي “حزب الله” ويُموّله ويستثمر فيه، يملكه ويأمره ويأخذ منه، و”الحرس الثوري الإيراني” صاحب المشروع التوسّعي الإقليمي خصّص لـ”حزب الله” في لبنان وأمثاله في سوريا والعراق واليمن دعماً هائلاً من اموال وسلاح وعتاد ومؤامرات، فانهالت الأثمان الضخمة والقاتلة والمصيرية على شعوب هذه الدول، وباتت آمال الشعب اللبناني معقودة على حلٍّ يُخلّصه من دور “حزب الله” الأمني والعسكري الإيراني ويحوّله دوراً سياسياً لبنانياً، أمّا بقاؤه على وضعيته وواقعه الحالي وإستخدامه كفزّاعة للمعارضين، من قبل أمينه العام وأتباعه الذمّيين، فيذكّرنا بالفزّاعة التي طالما استخدمت روايتها لإسكات الأطفال وتأديبهم وكسر معنوياتهم بالتخويف والتهويل.
إن الطرف الذمّي في إتفاقية مار مخايل يُجهد نفسه لتبرير العمل التهديدي، الذي تمارسه الجهة الإيرانية من الإتفاقية، لقاضي التحقيق في جريمة المرفأ، ويُحاول أيضاً رميَ إتهامات إطلاق الـ”آر.بي.جي” على منطقة عين الرمّانة وقصف المناطق الآهلة بالسكان على طرف واحد من الثنائي المُشارك في الغزوة. وكانت هذه الجهة الذمّية ذاتها تمسّكت سابقاً بنظرية التبسيط لعملية الغدر بضابط في الجيش اللبناني، ولامته لأنه حلّق فوق اراضي بلاده، وسعت أيضاً لتجميل وجهات النظر الإقتصادية المتخلّفة لمحور الممانعة المعزول دولياً والمفروض لبنانياً، وإنها أيضاً وأيضاً تستميت حالياً للأخذ بشروط ذات المحور في ترسيم الحدود البرّية والبحرية، وتعمل خلافاً للمنطق البشري الطبيعي بإقناع قواعدها المُتهالكة بضرورة تحوّل لبنان من مكانه الطبيعي وهويته ومكانته وموقعه المتطور الى حضن النظامين السوري والإيراني.
إنّ الطرف الخاضع والمُرتشي في هذه الإتفاقية، بنفوذه الفاسد في مؤسسات الدولة، تصله التعليمات من مكان ما في الضاحية، الذي بدوره تصله رسائل مُشفّرة وواضحة الأهداف من مكتبٍ ما من دوائر “الحرس الثوري الإيراني”. ولذلك، معالجة مشاكل الإدارة الرسمية اللبنانية، أكانت أمنية أو قضائية أو إقتصادية أو مالية أو إدارية، تبدأ بقطع الوصل مع ذلك المكتب في إيران وإستبداله بالوصل مع الفئات اللبنانية التي تحترم سيادة بلدها، والمشاركة مع كافة اللبنانيين بورشة بناء الوطن الحقيقي الضامن للجميع، والتخلِّي عن تلك الفئات الذمّية التي غدرت بشعبها لأجل نيل النفوذ والرضى منه، والتي لن تتوانى عن الغدر به يوماً ما عندما تجفّ خدماته لها، مُطبِّقةً مبدأ “ما أكثر اصحابي وكرمي كله دبسٌ، وما اقل اصحابي حينما كرمي يبس”.
يعتبر “حزب الله” أنّ القوة تتجسّد، ليس بالفكر والمنطق والحق والحقيقة والحقوق والتعاون والتفاهم، بل بالسلاح، وبالحقد في التعاطي، وبالإلغاء في السياسة، وبالخبث في التفاهمات، وما الإبتعاد عن هذه العلّة العدائية حسب تيودوريتوس القورشي إلا “بشفاء العقل من كبريائه ليُتأمّل حينها من الوصول الى المعرفة”، وهذا هو الفرق الجذري بين أداء أفرقاء الوطن الواحد، فطرف يؤمن بالتعاون والنقاش من أجل إستمرار الوطن، أمّا الفريق الآخر فيُمثّل المُحتل المُقنّع ويتعاطى من خلال القوة والسلاح مع الآخرين من ابناء الوطن، وقد أشار لهذا الخطر ميشال شيحا عند إنشاء دولة لبنان بأن اهم أسباب إنهيار الدولة اللبنانية عندما يُعتمد من أحد فئات اللبنانيين.
الحلّ لأزمات اللبنانيين يحتاج لحلٍّ لذهنية الاعتقاد بقوة السلاح والعددية، ومن هنا فقط تبدأ الحلول في لبنان، فحلِّوها.