طرحت تصريحات قادة إيرانيين عن الوجود الإيراني ودوره في عدد من الساحات العربية أسئلة عن الأهداف الإيرانية في المنطقة. يتمظهر هذا الوجود على شكل عسكري مباشر او عبر الدعم السياسي والمالي لتنظيمات ذات صبغة مذهبية إيرانية المنحى. تغلف إيران وجودها بغلاف أيديولوجي وتعطيه مشروعية سياسية ودينية. تغلبت في الآونة الأخيرة مقولة تبرير الدور الإيراني بمحاربة التنظيمات التكفيرية في المنطقة، والتصدي للإرهاب الناجم عن ممارساتها. ما الحقيقي في الدور الإيراني وما المزيف فيه، وكيف تلعب إيران دوراً محورياً في صناعة الإرهاب وتصعيد زخمه السياسي والمذهبي في المنطقة؟
الحقيقي في الدور الإيراني هو السعي الى تكريس إيران موقعها الإقليمي بوصفها القوة الأقوى في المنطقة، وحقها في تقرير شؤون معظم الأقطار العربية، من القضية الفلسطينية الى التسويات التي يمكن ان تنتج من الانتفاضات العربية المندلعة. هذا الطموح امتداد لطموحات تعود الى أيام الشاه، ترفده نزعة قومية فارسية تحمل موروثات صراع قديم بين العرب والفرس زمن الفتوحات العربية – الإسلامية.
والحقيقي في الدور الإيراني أيضاً انه، في عهد الملالي الصافي مذهبياً، يستعين بالصراع التاريخي بين القبائل العربية الذي اندلع بعد وفاة الرسول صراعاً على السلطة، وما تبعها من حروب بين هذه القبائل كان أعنفها بين الحسين ويزيد بن معاوية، والتي كرست انقسام الإسلام الى مذهبين رئيسيين، سنة وشيعة.
تقدم إيران نفسها البلد الذي ستستعيد فيه الطائفة الشيعية ذلك الموقع الذي حرمت منه قبل أربعة عشر قرناً، كما يقدم ولي الفقيه نفسه في وصفه ولي أمر المسلمين جميعاً. للنجاح في هذا الدور كان على إيران والتنظيمات التابعة لها، سواء انتسبت الى ضفة الأنظمة كما في سورية والعراق، ام عبر أحزاب موالية لها على غرار «حزب الله» اللبناني والحوثيين في اليمن، كان عليها الذهاب الى أقصى الحدود في استحضار الصراع المذهبي وتسعيره، وشحنه بالتوتر والكراهية. لعل استحضار الرموز الدينية ووضعها في ساحة المعركة من قبيل الدفاع عن السيدة زينب ومقام الأئمة في العراق والانتقام لمقتل الحسين، هي من أفضل الوسائل للحشد الطائفي وتكتيل القوى الشعبية حول الموقع الإيراني، في وصفه المنقذ والمستعيد للحقوق السليبة.
أما المزيف في الخطاب الإيراني فهو ادعاء محاربة الإرهاب الناجم عن دور التيارات التكفيرية، وهي ذات الصبغة المذهبية السنية. تعلي إيران والتنظيمات الحليفة لها من الوحشية والهمجية التي يمارسها «داعش» وأخواته. لكنها تتغافل عن دورها ودور محورها في ممارسة قتل ممنهج لا يقل وحشية عما تقوم به التنظيمات الإرهابية. ليس مبالغة القول إن إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها هي الوجه الآخر لـ»داعش» وأخواته: في الخطاب الأيديولوجي وفي التحريض الطائفي والمذهبي وفي الممارسة العملية. لا يفيد التفجع في طرق القتل، فالنتيجة لدى «داعش» وأخواته، وإيران وتنظيماتها، هي واحدة: الموت.
في التدقيق في الممارسات الإيرانية، يتبين ان لها ضلعاً رئيسياً في انفجار الإرهاب في المنطقة العربية راهناً. في تدخلها في العراق والهيمنة على مؤسساته السياسية والأمنية والمادية، وممارستها عبر رجالها سياسة تمييز ضد المجموعات الطائفية الأخرى والتصرف بطريقة إقصائية واستئصالية لهذه المكونات، أججت ايران الصراع المذهبي الموروث، ولم يخف نوري المالكي، رجلها الأساسي، التصريح ان الصراع مع المكونات السنية في العراق مستمر منذ معركة كربلاء، وما يجري في العراق اليوم هو استمرار لهذه المعركة والانتقام من الماضي. هذه السياسة كانت العنصر الأهم في ولادة التنظيمات الإرهابية في العراق خصوصاً منها «داعش» التي ترد بخطاب موازٍ.
وفي سورية، دعمت إيران النظام الأسدي الذي يمثل الإرهاب قلباً وقالباً، وتعمدت إعطاء الحرب الدائرة فيها طابعاً مذهبياً، خصوصاً من خلال إدخال «حزب الله» في المعارك واعتماده خطاباً مذهبياً صافياً بأنه يدافع عن نظام ينتمي الى الأصل المذهبي نفسه. وفي اليمن تدعم إيران جماعات استقطبتها على امتداد سنوات بالإغراءات المالية والعسكرية حتى باتت قوة أساسية، ها هي اليوم تخوض حرباً ذات طابع مذهبي في بلد من الأكثر تعقيداً في بناه الاجتماعية. تنخرط إيران حالياً في حرب أهلية في اليمن تظهر معالمها كم انها تشكل عنصراً مفجراً للإرهاب في المنطقة. إضافة الى كل ذلك، تمد إيران أذرعها في البحرين وتستخدم المنطق الطائفي والمذهبي في مواقفها من السلطات الحاكمة.
كيف يمكن لجماعات تكفيرية تمثلها إيران ومن معها ان تدعي انها تحارب الإرهاب الناجم عن ممارسات تنظيمات مماثلة؟ ان ممارسات إيران على مختلف الصعد هي من العوامل الأساسية في تغذية وتصعيد الإرهاب في المنطقة. ان أكثر ما يثير الحقد والكراهية هو الشحن الطائفي والمذهبي بين أبناء الدين الواحد، هنا منبع الإرهاب وتربيته وإطلاقه وحشاً يصعب السيطرة عليه بعد ان يفلت من عقاله.