في اوائل ٢٠١٠ وبعد اربع جولات مكثفة من عقوبات الأمم المتحدة الرامية الى منع ايران من تطوير برنامجها النووي، اصدرت الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الأوروبي مجموعة من العقوبات ضدّ ايران وتلتها كندا واوستراليا وكوريا الجنوبية واليابان.
جاءت العقوبات على ايران قوية جداً بحيث انه لا يكفي فقط تجنّب التعامل معها انما تعرّض اصحابها لعقوبات شديدة جراء عدم الإمتثال. وغُرّمت مصارف عدّة بسبب انتهاكها لهذه العقوبات ولا سيما commerz bank الذي دفع مبلغ ١ بليون دولار كتسوية مع وزارة العدل الاميركية بتهمة انتهاك القوانين المتعلقة بالعقوبات وبغسل الاموال وسبقه في ذلك Standard Chartered، عندما دفع ٣٢٧ مليون دولار كتسوية لوضعية مماثلة قبل عامين.
لذلك ما يحدث من مفاوضات الآن بين ايران ومجموعة قوى عالمية ربما يمهّد الطريق الى فكّ عزلة ايران الدَولية ويعطي اقتصادها نفحة بعد سنوات عدّة من محاولات النظام الايراني اتباعَ سياسة الاكتفاء الذاتي.
وجاء كلام الرئيس الايراني حسن روحاني واضحاً في هذا المجال عندما طالب بإنهاء العزلة الدولية عن ايران والمساعدة في انقاذ الاقتصاد من جراء العقوبات والفساد وسوء الادارة. وحسن روحاني هو الرجل البراغماتي الذي انتُخب في عام ٢٠١٣ لحلّ الازمة النوَوَية مع القوى العظمى وإنهاء العقوبات على ايران.
هذا وحسب روحاني «اقتصادنا لن يزدهر طالما هنالك احتكار للحكومة… لذلك يجب التخلّص من الاحتكار وخلق نوع من المنافسة… ولم تأتِ دعوة الرئيس روحاني الى مكافحة الفساد من الغيب. لكنها جاءت بعد سلسلة من قضايا فساد ظهرت منذ تسلّمه منصبه في آب ٢٠١٣ وآخرها كان في أيار مع رجل الاعمال Mahafarid وادانته بالاختلاس والرشوة والتزوير وغسل الاموال بحوالى ٢،٦ مليار جنيه، كذلك نائب الرئيس السابق محمد رضا رحيمي والذي سجن بتهمة الفساد وتكديس مليارات الدولارات من عائدات النفط الايراني نيابة عن الحكومة. وحسب روحاني فإنّ الفساد ومواصلته يعرّض الثورة الاسلامية بحدّ ذاتها لذلك وجب العمل على ايقافه.
وقال المحللون إنّ روحاني أشار بشكل خفي الى الحرس الثوري الايراني الذي أصبح القوة السياسية والاقتصادية في ايران الثورة عام ١٩٧٩ والذي انشئ للدفاع عن النظام الاسلامي في البلاد. وللعلم يقال إنّ الحرس الثوري سيطر على حوالى ثلث اقتصاد البلاد عبر فروع عدة قد يكون متورطاً في مشاريع وصفقات عدّة.
لذلك جاءت دعوة روحاني للاصلاح وانهاء عزلة ايران نتيجة امور عدّة فرضتها وضعية البلاد كذلك اقتصادها وبعد 8 سنوات من حكم احمدي نجاد الذي اعتبر ولفترة طويلة انّ عزلة ايران هي حافز لتطوير نفسها والاستغناء عن الخارج ولقناعة حسن روحاني بضرورة فكّ العزلة لأهمية التعاطي مع الغرب بمرونة قد لا تكون على حساب برنامج ايران النووي وإنما عبر اظهار البرنامج كونه موضوعاً لاغراض سلمية فقط إلا أنّ ذلك لا يكون على حساب خياراتها الاستراتيجية وتعاطيها مع الازمة السورية إذ إنّ هذين الامرين من الموضوعات الاستراتيجية ولها من الاهمية بالنسبة لايران ما يجعلها موضوعة على طاولة البحث.
هذه هي الصورة السياسية بشكل عام والتي طغت عليها في الآونة الاخيرة عوامل اقتصادية لا بدّ من التطلع اليها ولا سيما انخفاض سعر النفط بشكل لا مثيل له ما يزيد من الضغوط على وضعية ايران خصوصاً انّ النفط يشكل ٨٠٪ من صادرات ايران الى العالم وموازنتها وضعت على اساس ١٠٠ دولار للبرميل ما يعني أنّ ذلك سوف يشكل ضغطاً مباشراً على الاقتصاد الايراني ويذهب بعضهم الى القول انه قد يؤثر في مفاوضات ايران مع القوى العظمى بشأن برنامجها النووي وقد يكون ذلك وبالمطلق صحيحاً،
انما وجب القول انه ومن العام ٢٠٠٤ تحتسب ايران ٣٠٪ من عائدات النفط في صندوق التنمية الوطنية الذي أُنشِئ لتعزيز اقتصاد البلاد في حال انخفاض كبير في اسعار النفط اضف الى ذلك أنّ كلفة برميل النفط في ايران لا يتجاوز ال١٥$ اميركياً ما يعني أنّ اعمال الطاقة وايراداتها لا تزال مربحة، ولكن على ما يبدو انه وعلى رغم ضمانات إيران لحماية اقتصادها من أيّ انخفاض محتمَل في اسعار النفط لا بدّ من القول إنّ هذا الانخفاض قد يكون أعطى الولايات المتحدة ومعها الدول العظمى الاخرى ميزة تفاضلية في المحادثات النووية الجارية حالياً مع إيران،
أضف الى ذلك انّ الحكومة الايرانية قد لا يكون لديها استراتيجية واضحة وافتقارها الى الاستثمار الاجنبي وعزلها عن النظام المالي العالمي يجعل من النفط عاملاً مؤثراً لديها وسوف يبقى كذلك ريثما تتبلور الامور بشأن المفاوضات وما سوف تتوصل اليه من حيث فكّ عزلة ايران عن الاسواق العالمية حسب المحلل الايراني علي رضا نادر. وبالمطلق تبقى المحادثات الجارية مفصلية في حياة ايران الاقتصادية اكثر بكثير من تدنّي اسعار النفط.
لذلك نرى ايران اليوم تواجه تحديات كبيرة أقلها انخفاض سعر النفط، استمرار العقوبات وتأثيرها في الاقتصاد أضف الى ذلك عاملاً داخلياً قد يؤدي الى زيادة الضغوط على الأسر المعيشية في ايران وهو زيادة سعر الخبز بنسبة 30%.
هذه هي الصورة وبشكل عام في ايران أما ما يرى الغرب في ايران فلا يمكن الاستهانة به وايران تُعتبر اكبر قوى شرائية في منطقة الشرق الاوسط بعد مصر وكونها اكثر الاقتصادات تنوّعاً ولديها طبقة وسطى كبيرة وعندها ضعفا عدد سكان السعودية والعراق معاً وما يعني انها تشكل
قوة شرائية كبيرة لا يمكن لأميركا أن تستهين بها
كذلك فإنّ ايران هي اكبر منتج للسيارات في الشرق الأوسط وعندها من صناعات التعدين والصناعات التحويلية ما يشكل حوالى ١٤٪ من الناتج المحلي الاجمالي ما يعني انّ صادراتها غير النفطية لا يُستهان بها وزادت ثلاثة أضعاف منذ العام ٢٠٠٥ لتصل الى ٣٠،٧٪ مليار دولار في العام المنصرم، ووفقاً لتحليل البيانات من منظمة ترويج التجارة الإيرانية، وهذا يعني اقتصادياً انه يمكن اعتبار ايران دولة مزدهرة نسبياً حتى ومن دون عائدات النفط، لذلك نرى انّ ايران استطاعت وعلى رغم سنوات نجادي في الحكم أن تبرز على الساحة الاقتصادية كدولة استطاعت تحقيق المزيد من التقدم في مختلف المجالات وهذا ما عجز عنه العديد من حلفاء اميركا في منطقة الشرق الأوسط والذين ما برحوا يتكّلون على النفط من أجل استقرارهم ونموّهم وتقدّمهم على الرغم من جميع التسهيلات التي حصلوا عليها في انفتاحهم على العالم اجمع.
لذلك قد تكون ايران نموذجاً لدولة عصرية تستطيع ومع انتخاب الرئيس روحاني المعتدل في العام ٢٠١٣ أن تصل الى فكّ عزلتها في ظلّ مفاوضات جارية غير انّ الايرانيين على ما يبدو لم يستطيعوا التوصل ولغايته الى اتفاق شامل.
لذلك نرى الآن الرئيس روحاني وقد جعل الوضع الاقتصادي في البلد من أولوياته علماً انّ الناتج المحلي تراجع في السنوات الاخيرة وانّ التضخم بلغ نسباً مقلقة حقاً. حوالى ٤٤٪ وانخفضت الواردات بنسبة ٢٠٪ والصادرات بما يقدر بـ٢٨٪ وفي هذه الحال تواجه اليوم ايران تحدياتٍ كبيرة إن على الصعيد الداخلي او الإصلاح الذي يحاول روحاني إدخاله الى نمط الحياة الاقتصادية او على الصعيد الخارجي وإمكانية ايران الوصول الى أسواق المال العالمية وكسر طوق العزلة الذي يحيط بها.
بعد سنة على وصول معتدلين الى الحكم مع السيد حسن روحاني، لا شك في انّ ايران لا تشكل عبئاً دولياً لا على اوروبا ولا على اميركا، انما يجب الاعتراف انها تبقى لاعباً اقليمياً مهماً في المنطقة، ولديها من النفوذ ما يجعل العالم العربي عموماً واميركا خصوصاً يراقبان تحركاتها عن كثب. ولا شك انّ وصول روحاني الى الحكم يعطي زخماً هاماً للمفاوضات النووية وأملاً للشعب الايراني الذي عانى ولا يزال من سنين من القطيعة وانعدام الاستثمارات الغربية وعدم تمكنه من الوصول الى اسواق المال العالمية. لذلك تنظر اميركا بشكل مختلف الى ايران الآن.
وقد فازت طهران لغاية الآن بتحقيق الوعي حول خطورة العقوبات الاقتصادية مع انّ المفاوضات قد تمّ تحديدها، كذلك فإنّ نمط روحاني في الحكم و سعيه الى المزيد من الشفافية ووصوله بشكل ديمقراطي سليم يشجّع الولايات المتحدة الاميركية الي مضيها في التفاهم معه، وقد لا يكون البلدان قد توصلا الى اليوم لأمر ملموس إنما الامور توحي بإيجابية داخلية، والدول العظمى من دون ادنى شكّ ترى في ايران حليفاً تجارياً مهماً ذا قدرات كبيرة أكثر من السنوات السابقة، لهذا السبب يمكن القول إنّ اميركا وإيران ستصبحان حليفين. وحسب bremmer من المرجّح انها ستعمل مع ايران على المدى الطويل ولا سيما انّ فعالية العقوبات بدات تتآكل عالمياً.