IMLebanon

اختبار التغيير الإيراني في لبنان

تقدّم الإصلاحيون نتيجة الانتخابات الايرانية أم لم يتقدّموا، سيظلّ المحك حجم التغيير في السياسة الخارجية الإيرانية التي يعبّر عنها مشروع توسّعي قائم أوّلاً وأخيراً على الاستثمار في الغرائز المذهبية. سيظل المواطن اللبناني يسأل نفسه: هل آن أوان الانتهاء من الظلم اللاحق به نتيجة إصرار ايران على جعل بلده مستعمرة تابعة لها؟

ماذا ينفع المنطقة من فوز الاصلاحيين وبقاء السياسة الايرانية على حالها، خصوصاً تجاه المملكة العربية السعودية، وعلى وجه التحديد منذ توقيع الاتفاق في شأن الملف النووي بين ايران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً؟

ما أهمّية فوز الاصلاحيين عندما يبقى هناك تهديد إيراني للبحرين؟ 

ما ينطبق على البحرين، ينطبق على العراق. فكل تصرّفات ايران في هذا البلد، الذي كان، الى ما قبل قليل، أحد أهمّ بلدان المنطقة وركيزة من ركائز النظام الاقليمي والتوازن بين الحضارتين الفارسية والعربية، تشير الى رغبة واضحة في تحويل العراق مجرّد تابع وذلك من منطلق طائفي ومذهبي لا غير. 

استغلّت إيران التهور الذي اتسمّت به السياسة الخارجية لإدارة جورج بوش الابن كي تضع يدها على العراق. حصل ذلك عبر التسهيلات التي قدّمتها للاميركيين وعبر أحزاب دينية تابعة لها وعبر ميليشيات مذهبية اختارت ان تتدرب في اراضيها تمهيداً للمشاركة في الحملة العسكرية الاميركية في العام 2003.

لم تكتف ايران بالتحالف مع «الشيطان الاكبر« الاميركي في الحرب على العراق، بل استغلت لاحقاً غياب اي استراتيجية شرق اوسطية لدى ادارة باراك اوباما لتشجيع الانفلات الكامل للغرائز المذهبية والانتقام من السنّة العرب. كانت السياسة الإيرانية في العراق وراء إيجاد حاضنة لـ«داعش« الذي يتغذّى من وجود «الحشد الشعبي« الذي يرمز الى دور الميليشيات المذهبية في مجال الحلول مكان مؤسسات الدولة العراقية، بما في ذلك جيشها وقواها الامنية.

ليس العراق وحده الذي يعاني من سياسة إيرانية مهتمّة بإثارة الاضطرابات في كلّ المنطقة والموجّهة ضد دول مجلس التعاون الخليجي في مقدّمها المملكة العربية السعودية.

ماذا ينفع على سبيل المثال فوز الاصلاحيين بقيادة الرئيس روحاني والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني إذا كانت إيران مصرّة اتباع سياسة الشاه الراحل الذي احتلّ الجزر الاماراتية الثلاث في العام 1971؟ كيف يمكن لإيران التبجح بأنّها تدعو الى الاستقرار في المنطقة بينما ترفض حتّى فكرة التفاوض في شأن الجزر الثلاث أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى؟ ما الفارق بين هذه السياسة الإيرانية والسياسة التي تتبعها اسرائيل عندما تسعى الى فرض امر واقع عن طريق الاستيطان في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية؟

يمكن أن نضع سوريا جانباً، كذلك اليمن الذي حاولت ايران السيطرة عليه بهدف تطويق السعودية والدول العربية في الخليج. ما ذنب لبنان كي يعاني كلّ هذه المعاناة من السياسة الايرانية؟

حلّ السلاح الايراني مكان السلاح الفلسطيني على نحو تدريجي منذ العام 1982. هناك سعي ايراني، منذ قيام «حزب الله« في تلك السنة، من اجل تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في البلد. نجحت ايران في ذلك الى حدّ كبير وذلك عن طريق السلاح غير الشرعي الذي بات يتحكّم بمصير لبنان واللبنانيين ومستقبل ابنائهم.

قضت ايران على المحاولة الجدّية الوحيدة لاستعادة لبنان عافيته وذلك بعدما تبيّن ان عناصر من «حزب الله« متّهمة بتنفيذ عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. فوق ذلك كلّه، يرفض الحزب تسليم عناصره المتهمة الى القضاء الدولي. اظهرت كلّ تصرّفات الحزب منذ لحظة وقوع الجريمة وما تلاها من اغتيالات وتفجيرات وحروب مفتعلة ان لا هدف لايران سوى وضع اليد على لبنان كلّه. 

كانت البداية في ملء الفراغ الامني الناجم عن الانسحاب العسكري السوري في العام 2005… وصولاً الى منع انتخاب رئيس للجمهورية هذه الايّام. لا هدف واضحاً لإيران منذ سنوات طويلة سوى إفقار اللبنانيين وتيئيسهم، إضافة بالطبع الى عزل لبنان عن محيطه العربي، فضلاً عن جعل وزير الخارجية فيه واسمه جبران باسيل ممثلاً للخارجية الايرانية.

هل يتغيّر شيء في ايران بعد الانتخابات؟ هذا هو المهمّ بالنسبة الى الايرانيين انفسهم الذين يتوقون الى الخروج من تحت نير نظام متخلّف، وهذا هو المهمّ أيضاً بالنسبة الى دول المنطقة، خصوصاً الدول العربية، بمن فيها لبنان. في النهاية، هل إيران دولة طبيعية أم لا وذلك بغض النظر عما اذا كان الإصلاحيون اقوياء في مجلس الشورى وبات لهم صوت في مجلس الخبراء.

لا يختلف اثنان على ان ايران دولة ذات حضارة قديمة في غاية الاهمّية في المنطقة. ولكن بين ان تكون الدولة مهمّة وان تلعب دور القوّة المهيمنة في الاقليم فارق كبير. من المهمّ ان تهتمّ ايران في امور الايرانيين، الذين اكثر من نصفهم تحت خط الفقر، وان تكفّ عن لعبة تخريب دول.

سيظلّ لبنان احد الاماكن التي يمكن ان تظهر فيها ايران ان شيئاً ما تغيّر فيها وان لديها ما تصدّره غير التحريض على كلّ ما هو عربي في المنطقة والمتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم.

هل تنجح ايران في الامتحان اللبناني حتّى يصبح في الامكان القول انّها تغيّرت وان نتائج الانتخابات الاخيرة تعني شيئاً، حتّى بالنسبة الى الايرانيين؟ هل بات لدى ايران ما تصدّره الى لبنان غير السلاح المذهبي الذي لا هدف له سوى قهر اللبنانيين وتدمير ما بقي من مؤسسات في الوطن الصغير؟