Site icon IMLebanon

صٍغار إيران واللعب مع الكبار!

لن يستطيع مرشد الجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، تحقيق كل ما يتمنى في وقت لا يملك فيه القدرة على فعل ذلك، ثم إن الإدراك السياسي الحصيف يستلزم تحديد الأولويات ومصادر الخطر وتكييف السياسات وبلورة الإمكانيات وفقاً لذلك، أما أن تحصّل إيران كل شيء، السيطرة الإقليمية والاحتفاظ بالسيادة الوطنية، فذلك يتطلب شروطاً غير متوفرة في إيران، وعليه فإن رغبتها مرفوضة وغير قابلة للتحقق.

لم يكن ينقص وزير الدفاع الإيراني، حسن دهقان، سوى اللطم حين اشتكى من وضعية الإذلال التي تعمّد الروس وضع شريكهم الإيراني بها من خلال إعلانهم استخدام قاعدة همدان، فالرجل استنكر الاستعراض الروسي للأمر، ويا ليت أنه جرى على الساكت دون إعلام وطنطنة، ليست مشكلة ان تعرف إسرائيل بالخبر أو يعرف الشيطان الأكبر وتأخذ موسكو الإذن منهما وتخبرهما عن مسار طائراتها من همدان إلى حلب، المهم أن لا تعرف الشعوب المجاورة، ليس بسبب خوف إيران على العلاقات المستقبلية مع تلك الشعوب، و ليس كي لا يقال إن إيران قد استعانت في يوم من الأيام بالروسي لكي يقتل من تعتبرهم إخوة لها في الدين والتاريخ، تلك اعتبارات ودّعتها إيران منذ زمن ولم يعد يعنيها مراعاتها، لكن كي لا تضعف صورة إيران ورهبتها في عيون ونفوس شعوب المنطقة.

لكن تلك الحسابات الإيرانية لا يمكن صرفها في العلاقة مع الروس، وهي لا تعني لموسكو شيئاً ذا قيمة، فلا يمكن لإيران ان تتوسل موسكو في كل لحظة لإنقاذها من الهزيمة في اللاذقية ودمشق وحلب، وان تطلب من موسكو في الوقت نفسه ان تعاملها معاملة ندية، كما انه من غير الجائز ان تصوّر إيران نفسها قوّة مظلومة ومهدّدة من قبل أميركا وإسرائيل ودول الخليج العربي وشعوب المنطقة وبالتالي فهي بحاجة ماسة لحماية الروسي، ثم تنتفض لكرامتها بسبب إجراء شكلي لا يقدم ولا يؤخر، مثل إعلان موسكو استخدامها لقاعدة همدان لحماية نظام الأسد وميليشيات إيران من الهزيمة وحتى من الفناء في أرض المعركة.

لا شك أن موسكو ورغم الخدع والأضاليل التي تمارسها على العالم بشأن عملياتها في سورية، تغرق الأن في صدمة نتيجة الموقف الإيراني، وأن عقل بوتين الإستخباراتي سيجد صعوبة كبيرة في تحليل هذا الموقف والإقتناع به، ذلك ان قواته لم تحضر إلى سورية للترفيه والتنزه، وأن جزءاً مهماً من سبب حضورها يعود لمناشدة وتوسّل إيران التي احتفل إعلامها ب» عاصفة السوخوي» وإنجازاتها التدميرية للمدن السورية، وكانوا يبررون تلك الأعمال بأن السياسة ليس لديها اخلاق والمهم من يفوز وينتصر لأن ذلك صراع سيغير وجه العالم ولا وقت للمثاليات والعواطف، وليس مهماً كم ستدوس «عاصفة السوخوي» من قتلى ومهجرين وليس مهماً إن كانوا أطفالاً أو نساء، المهم هو النصر الذي سيكون في نهاية المطاف نصراً إلهياً من السماء، أليست السوخوي تحلق في السماء العالية!

أين ضاعت كل تلك الحكمة، وكيف تحوّل الإيراني إلى بكّاء على الكرامة والسيادة؟ مادام قاموسه السياسي يعرّف عالم السياسة بأنه خال من العواطف، فلماذا يطلب من الروسي الرحمة بعزيز قوم ذل؟ لا شك ان تفسير ذلك مردّه أنها المرّة الأولى التي يتم فيها توصيف ايران في لعبة الأمم الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، مجرد برغي صغير في ماكنة أكبر، بل هو مجرد مقاول أنفار مهمته جمع الميليشيات» الزينبية والفاطمية والحزب اللاهية» وسواها من الأمصار، مقابل ثمن محدّد للعمل في مشروع أكبر على نطاق دولي، وبما ان المشروع أكبر من قدرات ايران على الإنخراط فيه بشكل منفرد، وهو ما أكدته الوقائع العملياتية، فلا بأس من الحصول على دور بحدود معينة ومقابل ثمن لم يجر تحديده حتى اللحظة، لكنه لن يكون أكثر من ترضية عابرة تتناسب وقدرات إيران، ليس طوال فترة خدمتها في سورية، وإنما عند اللحظة التي يجري فيها التفاهم على البيدر.

ثم ليس لإيران أن تعتب على روسيا وهي نفسها مارست هذه اللعبة وطوال سنوات على مكونات واسعة في المنطقة، وعلى حساب دماء أبناء تلك المكونات استعرضت إيران قوتها وسيطرتها الإمبراطورية على العواصم العربية الأربع، وحوّلتهم إلى مجرد فاعلين هامشيين في لعبتها لم تراع علاقاتهم بأبناء أوطانهم ولم يعنها إظهارهم كمرتزقة يعملون في المشروع الإيراني، آنذاك كانت إيران تنظر لنفسها قوّة كبرى تتصارع مع الكبار وأن الأتباع من الميليشيات وغيرهم ليسوا سوى لاعبين صغار ليس لهم أن يتحسسوا أو يشعروا بالإهانة ما داموا يحصلون على الأجر. أليست فلوسهم كلها من إيران؟.

ومثلما كانت إيران توجه أتباعها إلى الجبهات حسب حاجتها، والسبب أنهم بدون غطائها ليس لهم وجود بالأصل، كذلك تفعل روسيا اليوم مع إيران، لا تستطيع موسكو التعامل مع إيران بوصفها شريكاً نداً، ففي إطار صراع روسيا مع القوى العظمى لا يمكن لإيران سوى تقديم خدمات تشغيلية متدنية القيمة العملانية لروسيا وعلى مستوى جزئية محدّدة من الحركة الإستراتيجية الروسية، ثم ان روسيا تملك البدائل عن تلك الخدمات ولو بتكلفة اعلى قليلاً، لكن ماذا عن خيارات وبدائل إيران؟، لا شك أن إيران لو كانت تملك غير خيار الانكفاء وفضيحة الهزيمة لما تحدث وزير دفاعها بكل ذلك الشجن والحزن عن الإذلال الذي تمارسه روسيا بحق بلاده، لكن الواقع أن وجود الصغار في مجالس الكبار ليس له سوى مبرّر واحد وهو تشريفهم بتقديم الخدمات.

() كاتب من سوريا