إيران عملت على”لبننة” العراق، كما قال ريان كروكر السفير الأميركي السابق في العراق بعد لبنان وسوريا. لكن أميركا لم تقصّر في ذلك، أقله بالنسبة الى تكريس الطائفية والمذهبية في السلطة. وما زادت فيه طهران هو حماية مشروعها الإقليمي بتأسيس قوى مذهبية مسلحة تابعة للحرس الثوري هي “حزب الله” في لبنان و”الحشد الشعبي” في العراق. غير أن بلاد الرافدين تعمل للخروج من وظيفة “الساحة” الى دور “الجسر”. من ساحة لتصفية الحسابات في صراع النفوذ بين أميركا وإيران وصراع الوجود العربي-الإيراني الى جسر للقاء. وليس “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” سوى قفزة على هذا الطريق لضمان “الإستقرار” في الداخل وتأكيد “الموقع” العربي وإستعادة الدور الإقليمي. وما يساعد هو قوة الوطنية العراقية والتململ من “الإحتلالين الإيراني والأميركي” وخصوصاً في البيئة الشيعية وتصميم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح، والإنفتاح العربي.
أما لبنان، فإنه خسر الدور ويكاد يخسر موقعه العربي. وضعه أخطر من الوضع العراقي، وقدرته على المواجهة أقل بكثير: “دومينو” الإنهيار والأزمات متسارع. المسؤولون يمارسون اللامسؤولية بأكبر قدر من الغطرسة والوقاحة. الشعب يقبل التحكم به والسطو على أمواله ومنع الدواء عن مرضاه والوقوف في طوابير البنزين كأن إذلاله قدر لا يُرد. الهيمنة الإيرانية تتعاظم. والإلتزامات الأميركية بلا صدقية. والإهمال العربي يكبر بمقدار ما تصبح يد طهران أثقل.
ذلك أن سياسة اللعب بالأزمات تبدو في نظر اللاعبين رابحة أكثر من سياسة التسويات. ولا أحد يشرح لنا هذا “اللغز” السوريالي، حيث نعيش عملياً في “جهنم” وننتقل في الخطاب الممانع “من نصر الى نصر”. فلا شيء في لبنان يمشي من دون حكومة، وكل شيء يتم فعله لقطع الطريق على تأليف الحكومة. وقمة المفارقات والبؤس السياسي في معرض الإدعاء بالقوة هو التصرف كأن تأليف حكومة في الوضع اللبناني المزري هو رسم قواعد الحكم وإعادة تشكيل النظام وأخذ موقع على طاولة التفاوض الأميركي-الإيراني وكل الصراع الجيوسياسي في المنطقة.
ولعل ما ينطبق على تأليف الحكومة بين من يريد إرضاء الجميع ومن يمارس إغضاب الجميع باستثناء “حزب الله” هو قصة رمزية في أميركا إسمها “سرير بروكروست”. خلاصتها أن بروكروست يملك سريراً على قياسه يستقبل العابرين مساء للنوم عليه. لكنه كان يقطع كل ما يزيد عن السرير من رجلي من ينام. وسرير الحكومة المفترض هو أقل طولاً من السفير مصطفى أديب، ومن الرئيس سعد الحريري، وأقل بكثير من الرئيس نجيب ميقاتي. ولا أحد يقبل تصغيره على قياس السرير، بدل تغيير السرير.
“الدولة المقتدرة هي التي تحوّل الطوارئ الى ضرورات” كما قال الرئيس تيدي روزفلت. لكن لبنان مضروب بسلطة فاشلة في لا دولة تحوّل الطوارئ والضرورات الى أضرار.