Site icon IMLebanon

ما بين لبنان والعراق

 

يجهد “حزب الله” إلى استباق ما يمكن أن يحصل في لبنان نتيجة الانتخابات النيابية التي يفترض أن تحصل بعد أقل من 6 أشهر، أي أن يخسر الأكثرية التي وإن كانت تبدو مشتتة حالياً، فإنها في المسائل الاستراتيجية والمفصلية يمكنه إعادة تجميعها لأمر جلل، باسم الدفاع عن “محور المقاومة”.

 

يخشى الحزب أن يتكرر في لبنان بحصول الانتخابات، ما حصل في العراق من خسارة لأحزاب ومجموعات “الحشد الشعبي” لا سيما “الولائية” منها التي تأتمر بإيران وتوالي ولي الفقيه، والتي تراجعت كتلتها الائتلافية في البرلمان العراقي، وأن ينتج عن التركيبة النيابية الجديدة في البرلمان اللبناني، كما في العراق، ما يؤشر إلى تغيير في غطاء السلطة السياسية للحزب وسياساته ومواقفه وسيطرته على مؤسسات فاعلة تلعب دوراً في القرارات وتنفيذها، وتحديداً في انتخابات رئاسة الجمهورية بعد أقل من سنة من الآن.

 

فالتغيير في موازين البرلمان اللبناني سيؤدي حكماً إلى تغيير في الرئاسة الأولى وسيخفف من قدرة الحزب على التحكم برئاسة الحكومة.

 

يسعى الحزب إلى أن يتجنب، بعد أشهر، أو بعد سنة من الآن، إنزال مناصريه إلى الشارع للاحتجاج على نتائج الانتخابات، كما فعل “الحشد الشعبي” في المنطقة الخضراء في بغداد أول من أمس، إذا بات أقل قوة مما هي عليه سطوته الحالية، على مراكز السلطة وبالتالي على مواقع حساسة في الدولة. ولذلك يشن هجومه الدفاعي منذ الآن، محذراً جمهوره من أن الدول المناهضة له تعمل لتغيير المعادلة السياسية في الانتخابات المقبلة.

 

قد تختلف الظروف اللبنانية عن دينامية تدحرج الأحداث في العراق، لكن هذا لا يمنع تسجيل أوجه التشابه. ففي العراق تشكلت تدريجاً منذ الانتفاضة الشعبية في 1 تشرين الأول عام 2019 أكثرية شعبية ترفض السطوة الإيرانية على السلطة في بلاد الرافدين بعد تدهور الأحوال المعيشية جراء تسلم الموالين لطهران دفة السلطة وإفادتهم الهائلة من مالية الدولة الغنية التي نضبت أموالها الهائلة، ولعب غضب الشيعة العراقيين الذين لم يغادروا عروبتهم قياساً إلى ولاء بعض مجموعاتهم لطهران، دوراً رئيساً في التغيير السياسي، على رغم مقاطعة شرائح واسعة من مجموعات الثوار للانتخابات العراقية الأخيرة. في لبنان تبلور مزاج شعبي أخذ يتوسع في قلب الطوائف كافة، تدريجاً. تنامت الممانعة اللبنانية حيال ممارسات محور “الممانعة” الإيراني، وإن بوتيرة متفاوتة بين طائفة وأخرى، لكن الأهم بالنسبة إلى “حزب الله” أن هذه الممانعة التي تبلغ درجة الاستعصاء على سطوة الحزب أحياناً أدت إلى تآكل شعبية الفريق الذي يرتكز إلى غطائه في استباحة الدولة اللبنانية وقمة السلطة فيها، لأن الجمهور العوني أخذ ينفك عن زعيمه بعد اكتشافه مدى ضرر تبعيته إلى الأجندة الإيرانية، وزيف شعارات الإصلاح وجشع بعض رموز قيادية فيه بصفقات الفساد والمحاصصة باسم استعادة الحقوق.

 

في العراق هدف تظاهرات “الحشد الشعبي” الحؤول دون عودة مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الحكومة، بالأكثرية البرلمانية الجديدة، إذا تعذر تغيير نتائج الانتخابات بالطعون. وفي لبنان يستبق الحزب أن تقود الظروف إلى تركيبة في الحكومة وفي الرئاسة، مخالفة للحالية بعد أن ساد الحديث عن أن مرشحه أو مرشحيه للرئاسة احترقوا لكثرة ما سلفوه من المواقف المعاكسة لاتجاهات الجمهور الواسع.

 

في العراق لم يتوقف رموز الحشد الشعبي عن اتهام الثوار بأنهم يتحركون بإيعاز من الخارج، وعن دعوة الكاظمي إلى الكف عن مراعاة الأميركيين، فيما هو يحاول بشيء من البراغماتية، إعادة بعض التوازن إلى علاقات بغداد الخارجية. وفي لبنان، بينما يطمح من لا يوالون الحزب ومغامراته ضد الدول العربية، إلى استعادة شيء من التوازن في السلطة وفي علاقات البلد الخارجية، لم يتوقف قادته عن اتهام الثوار بأنهم “مجموعات السفارات” ويخصون الأميركية منها، ويتوجس من أن يقود الدعم الغربي للبنان الهادف لانتشاله من الحفرة التي سقط فيها، إلى تقليص نفوذه على السلطة المركزية.

 

في خضم الأزمة مع دول الخليج يرفض الحزب محاولة الحكومة اللبنانية فتح كوة للتفاوض معها فيطلب نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم من “بعض المسؤولين أن يخففوا من الانبطاح أمام المتجبرين”، ويدعو الحكومة إلى تنفيذ أوامره بإزاحة المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ قائلاً: “المطلوب أن تبادر الحكومة إلى معالجة المشكلة، لا أن تجلس جانباً”، رداً على رفض الرئيس نجيب ميقاتي التدخل في السلطة القضائية.

 

استذكر بعض المعلقين أمس لمناسبة محاولة اغتيال الكاظمي، اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. الصدفة تشاء أن تصف طهران المحاولة ضد رئيس الحكومة العراقية بأنها “فتنة من الغرب”.