منذ الغزو الغاشم لدولة الكويت في الثاني من آب (أغسطس) 1990 حتى يومنا هذا، والعلاقات السعودية – العراقية إما مقطوعة أو شبه مقطوعة، تخللت ذلك خسائر كبيرة تكبدها السعوديون في محاولة رأب الصدع الذي أحدثه صدام حسين وجورج بوش الابن من بعده، وارتداداتها التي تعصف بعموم المنطقة العربية منذ ذلك الحين. زحف إيراني طائفي حاقد، وجسد عربي منهك يتآكل من الداخل بعد أن ضل سبيل الحكمة باتباعه طرق الربيع، ومُضلون من كل الاتجاهات يجمعهم الاعتقاد أن هذه هي الفرصة المواتية لتحقيق أهدافهم على حساب الجميع، ومعاذ الله أن نتجاوز قطر في هذا السياق، وتنظيم الحمدين والمؤامرات والخداع والإفساد في الأرض.
على رغم هذا كله، تمضي السعودية كدولة راسخة استطاعت في هذا الخضم أن تتجاوز امتحانات القدرة على التحمل بنجاح، لتثبت أن العيارات التي تستهدفها لا تقوى على إصابتها، لم تتمكن حتى من أن «تُدوش» مسيرتها الممتدة على خريطة الأقوياء، اقتصادياً وسياسياً وتنموياً.
اليوم، يمد السعوديون أيديهم إلى «إخوتهم» في العراق من جديد، تدفعهم النيّات الحميدة الصادقة المتجذرة، والتي عبّر عنها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، بعناقه الحار لنائب الرئيس العراقي عزت إبراهيم في قمة بيروت 2002، في لفتة عربية أصيلة كان لسان حالها: «عفى الله عما سلف» من النكبات التي جرتها عجرفتكم علينا، ولنفكر في مستقبل أمننا وأمتنا، لكن سقوط بغداد بالغزو الأميركي عاجل تلك الطموحات، حين جعل من إيران متحدثاً رسمياً باسم العراق! 16 عاماً من التخريب وتقطيع أوصال بلاد الرافدين، ليست كافية في نظر مصاصي الدم في طهران كي يرفعوا شرورهم عن شعبه المكلوم، بميليشيات – منه وفيه – لا ترى أبعد من أنف ربّ إرهابها وطغيانها قاسم سليماني.
يرى بعض من في مصلحتهم عزل العراق عن عمقه العربي، أن السعودية تريد «زغللة» عيون عوام العراقيين من خلال الإسهام في نهوض دولتهم من كبوتها، ودعم عمارها واقتصادها، يرى ذلك وهو يغض طرفه متعمداً عن السبب الذي عمّق جرح العراق النازف، عن الدور الإيراني في سلب العراق القدرة على استغلال مقدراته، وعن رميها السعودية بتهمة دعم الإرهاب في شكله «السني» زوراً وبهتاناً، فيما تحتضن طهران زعماء القاعدة وتحمي بيضتهم! إن الانعطافة «التاريخية» بتصنيف أميركا حرس إيران الثوري منظمة إرهابية، لهي التحول الأبرز في مسيرة التغيير في العراق تحديداً، مهما حاولت إيران الهرب إلى الأمام، ولا أمام، ومهما حاول عملاؤها الجاثمين على صدر المنطقة الخضراء في بغداد التنصل من عراقيتهم لصالح جبهة الولي الفقيه، ومهما حاولوا المحافظة على مكتسباتهم التي أفقرت بقية العراق.
هذه ليست دعوة إلى التفكك والتناحر في الداخل العراقي المثخن، إنما هي محاولة لرفع غشاوة الاستسلام للأمر الواقع بالتذكير بالمتغيرات التي يمكنها ترجيح كفة العراق على ما عداها، ذلك أن السعوديين في أطيافهم ومستوياتهم كافة يبعثون برسالة مفادها: إنما عدوكم إيران فاحذروها أهل العراق، أما نحن فإننا هنا، نرغب حقاً في الوقوف إلى جانبكم، فلا «تفسدوا ذلك بالخذلان» والتخوين وطرح الأشواك التي زرعتها وسائل الشحن الطائفي والحزبي في طريق بلدينا نحو التقارب، لمصلحة إيران وإيران فقط.