مبادلة النفط الأسود الثقيل بخدمات “بلاد الأرز” مجمّدة حتى أمد غير محدّد
يكاد الإعتماد المفتوح من “التوظيفات الإلزامية” لتأمين “فيول” معامل إنتاج الطاقة ينتهي، ولا كهرباء. وصفقة شراء ما بين 500 ألف إلى مليون طن من النفط العراقي الأسود لم تبصر النور بعد، وقد أضيفت عليها مؤخراً تعقيدات عراقية بعدما كانت المشكلة لبنانية.
كان من المعوّل عليه أن تبدأ عملية استيراد النفط العراقي لزوم معامل الكهرباء في موعد أقصاه نهاية حزيران الفائت لتخفيف الضغط وزيادة ساعات التغذية؛ وهذا ما لم ولن يحدث على ما يبدو. فبالإضافة إلى التعقيدات اللبنانية المتصلة بآلية الدفع وبكلفة وكيفية تكرير النفط الثقيل، فان العراق نفسه غرق في أزمة كهرباء مستفحلة، أدت إلى استقالة وزير الطاقة، وتهديد شركات عالمية مثل BP “بريتيش بتروليوم” بالإنسحاب من السوق العراقية. ظاهر مشكلة الكهرباء في بلاد الرافدين هجمات على محطات التوليد وأبراج النقل، فيما باطنها يشبه أزمة الكهرباء في لبنان، ويتعلق بالفساد وسوء الإدارة وانعدام التخطيط والشفافية منذ أكثر من 18 عاماً. وبحسب تصريح متلفز لمستشار رئيس الوزراء العراقي د.حسين علاوي فان من أسباب المشكلة إنشاء محطات لتوليد الطاقة على الغاز ولا يوجد غاز في العراق. الإتكال على استجرار الكهرباء من إيران وإهمال خطوط الربط العربية، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية والكويت ومصر والأردن. تأخر عرض محطات الإنتاج التي تعمل على النفط العراقي على الإستثمار. ومع تراجع قدرة إيران على تزويد العراق بالكهرباء ووقوع هجمات على أكثر من 60 منشأة وخط نقل، تفاقم الوضع ووصل معدل انقطاع الكهرباء إلى أكثر من 6 ساعات، وعمت الإحتجاجات مختلف المناطق.
معارضة على مساعدة لبنان
إرتفاع الإستهلاك في فصل الصيف والأعمال التخريبية، إلى جانب المشاكل الجوهرية دفعت إلى أزمة كهرباء غير مسبوقة في العراق و”نشوء فئة معارضة ترفض إرسال النفط إلى لبنان على شكل مساعدات”، يقول الخبير في مجال النفط والغاز فادي جواد، فـ”المشاكل الداخلية تؤثر بشدة على القرار العراقي، وهي تضغط باتجاه وقف “سواب” النفط مقابل الطبابة الذي كانت ستتم الصفقة على أساسه. وهذا ما ظهر جلياً في فشل الإجتماع الأخير الذي حصل بين الطرفين قبل أسبوعين وتم الإقرار في نهايته بصعوبة التوصل إلى نتيجة إيجابية في هذا الملف”. وبحسب جواد، فان هناك عاملين أساسيين يؤثران سلباً على المضي قدماً بالمفاوضات: الأول، سياسي ويتعلق بموافقة جميع الأطراف اللبنانية على استيراد النفط العراقي، فيما ترفض الأغلبية عقد صفقات مماثلة مع الإيراني. الثاني، معارضة كارتيلات النفط القوية والشرسة لأي عملية تحد من صلاحياتهم وتقلل من أرباحهم. وهم لن يوفروا طريقة عبر علاقاتهم وصلاتهم الداخلية والخارجية لتفشيل أي عملية استيراد مباشر للنفط من قبل الدولة من أينما جاءت به، لانه سيؤثر سلباً على مصالحهم التعاقدية مع الشركة الجزائرية والكويتية”.
عقبة التكرير لم تحل
التسليم جدلاً بعدم وجود عراقيل داخلية من الجانب العراقي تعيق تنفيذ الإتفاق، يقابلة محلياً تستر تام على بنود الصفقة والإطار الزمني الموضوع لها. وهذا ما يجعل الحديث عن الموضوع كـ”الضرب في الرمل” طالما لم يتم الإفصاح عن بنود الإتفاقية”، بحسب المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز “لوغي” ديانا قيسي، فـ”من غير المعروف لغاية الساعة المدة المفروض أن يصل خلالها النفط العراقي، ولا شكله الأخير إن كان نفطاً ثقيلاً أم مكرراً، ولا البدل الذي سيدفعه لبنان عن طريق المقايضة. الأمر الذي يثير القلق من أن تكون الصفقة “إنجازاً آخر يضاف إلى عشرات الإنجازات غير القابلة للتنفيذ “. وبحسب المعلومات فان الجانب اللبناني رفض عرضاً مصرياً مغرياً لتكرير النفط العراقي بالمقايضة، مفضلاً تصفيته في اليونان مقابل الدفع نقداً بالعملة الصعبة. وبحسب قيسي فان “فكرة تكرير النفط العراقي المخصص للبنان في مصر من الممكن أن تكون قد طرحت في إطار القمة التي جمعت العراق، مصر والأردن في العراق نهاية الشهر الفائت. حيث جرى التطرق فيها إلى مبادلة خدمات الطاقة العراقية مع الطاقة التكريرية والبشرية المصرية، عبر الأردن. فيستفيد العراق من غاز مصر ومن الطاقة التكريرية الهائلة لمصافيها المتطورة، وتستفيد الاخيرة من نفط العراق الخام ومن فتح أسواق العراق امام عمالتها، في حين تكون الأردن هي المعبر والوسيط”. أما لجهة لجوء لبنان إلى اليونان لتصفية النفط العراقي، فان أضرار العملية لا تقتصر على ضرورة الدفع النقدي، برأي قيسي، إنما تتعداها إلى الأخطار الجيوسياسية التي قد تصيب لبنان جراء العلاقة المتوترة بين اليونان من جهة وتركيا من جهة اخرى، وتحول لبنان إلى ساحة تصارع إقليمية”. من هنا فان كان للبد من اضطلاع لبنان بعملية التصفية فعليه “اللجوء إلى مصر”، من وجهة نظر فادي جواد أيضاً. وذلك نظراً للتقنية المتطورة التي تعتمدها المصافي المصرية وقدرتها على معالجة كميات هائلة وبسرعة كبيرة. وإذا تم حسم الخيار لصالح اليونان فهذا يطرح علامات استفهام ويثير شكوكاً وشبهات حول صفقات لبعض الاطراف والمستفيدين في الداخل.
في الوقت الذي تتعاظم فيه مصلحة العراق بالتبادل التجاري مع مصر، تبدو مصلحته في مقايضة منتجه الأثمن، مع لبنان هزيلة. خصوصاً في ظل تضاؤل ما يمكن للأخير تقديمه، ومحاولته اللعب على سعر الصرف. فـ”حتى الخدمات الطبية التي كان لبنان قادراً على توفيرها منذ 10 أشهر، تاريخ بدء البحث بالإتفاق لم تعد نفسها اليوم”، بحسب قيسي. في المقابل فان العراق الذي استفاق على أزمات هائلة وحاجات متنامية للتمويل لن يفرّط بالنفط لمساعدة أحد. وهو إن قدم تسهيلات فستكون محدودة زمنياً ومشروطة بما يحقق مصالحه. وبهذا يظهر أن كلاً من لبنان والعراق بحاجة لمن ينتشلهما من أزماتهما، وما مساعدة الأخير إلا كـ”الأعرج الذي يسند مكرسحاً”، فتكون النتيجة وقوعهما معاً.