IMLebanon

تبقى الدولة.. أو لا تبقى دولة!

 

يبدو أن نظرية الرئيس كميل شمعون: لتعرف ماذا سيحصل في بيروت يجب أن تعرف ماذا يجري في بغداد، مازالت قابلة للحياة.

 

مؤتمر دول الجوار الذي إستضافته عاصمة الرشيد، وجمع خصوم وأضداد الصراع في الإقليم، وخاصة السعودية وإيران، من شأنه أن يشكل طليعة تحولات إستراتيجية لمسار الأحداث في المنطقة، التي تعاني شعوبها الويلات والكوارث، من جراء الحروب والمواجهات المحتدمة، عسكرياً وأمنياً كما في اليمن والعراق، وإقتصادياً على نحو ما يجري في لبنان وسوريا.

 

وإذا كان من السابق لأوانه توقع النتائج العملية الباهرة للبيان الذي صدر عن المؤتمرين، إلا أنه ساهم، وإلى حد كبير في كسر الجليد الذي يهيمن على علاقات بعض الدول المشاركة، وفي مقدمتها السعودية وإيران من جهة، ومصر وقطر من جهة ثانية.  ولكن ثمة أمرين أساسيين في قراءة أعمال ونتائج هذا المؤتمر: الأول، مدى الإنعكاس الإيجابي للمؤتمر وقراراته على الوضع اللبناني.  الثاني، دراسة تجربة العراق الجديدة في مسار عودته إلى الصف العربي، وإعادة التوازن في علاقاته مع الجارة اللدودة إيران.

 

المستوى الرفيع للمشاركين في المؤتمر، وبينهم رؤساء دول، مصر وفرنسا والأردن وقطر، يُضفى على التفاهمات قدراً كبيراً من الالتزام والمصداقية، ويفتح أبواب الحلول السياسية للأزمات والحروب المستعرة في المنطقة، والتي أنهكت كل الأطراف، اللاعبين والمتلاعبين من خلف الستار، الأمر الذي من شأنه أن يبدد بعض الغيوم السوداء الملبدة في سماء الإقليم منذ أكثر من عقد من الزمن.

 

ومن الصعب حكماً أن تتحول مجموعة الدول المشاركة الى منظومة جبهوية متماسكة، نظراً لتضارب المصالح الإقليمية والدولية بينها، ولكن من الممكن إيجاد صيغة تنسيقية تساعد على تحسين أجواء العلاقات المتوترة من فترات ليست قصيرة، والعمل على تحسين مناخات الحوار المجدي، وإيجاد مساحات مشتركة، خاصة بين الثنائيات المتصارعة حالياً.

 

ومن نافلة القول أن العراق إستطاع، عبر هذا المؤتمر وما سبقه من سياسات الإنفتاح والتوازن في علاقاته الخارجية، أن يستعيد الكثير من مكانته العربية والإقليمية، بهدوء وحكمة، رغم كل التحديات التي تواجه رئيس حكومته مصطفى الكاظمي الذي يقود عملية تصحيح السياسة الخارجية من جهة، ويتابع تطورات الورشة الإصلاحية ومحاربة الفساد في الداخل.

 

وفارق بين العراق ولبنان في هذا المجال بالذات، أن الأول يتمتع بقيادة سياسية متماسكة وتمتلك إرادة صلبة في تحقيق الإصلاحات المالية والإدارية وإستئصال جذور الفساد في البلاد، وذلك ضمن رؤية إسترتيجية للنهوض ببلاد الرافدين، في حين أن لبنان لا تتوفر له السلطة القادرة، وصاحبة الإرادة الجدية في تحقيق الإصلاح ومحاربة الفساد، ولا تملك الرؤية ولا المشروع الواضح لإخراج وطن الأرز من دوامة الإنهيارات والأزمات التي يتخبط فيها.

 

وليس أكثر دلالة على عجز السلطة اللبنانية في إدارة شوون البلاد، من الفشل المريع في تأليف حكومة قادرة، رغم مرور أكثر من سنة على وقوع كارثة المرفأ، وتداعياتها البشرية والإقتصادية والإنسانية، ورغم كل المساعي الخارجية، وخاصة الرئاسة الفرنسية، لتقريب وجهات النظر بين العهد وخصومه السياسيين، للإسراع في تشكيل حكومة تحظى بثقة الدول المانحة، وتستطيع الحصول على المساعدات الفورية لإنقاذ البلد من مهاوي الإفلاس والفوضى العارمة.

 

والمفارقة المحزنة فعلاً، أن «طالبان» المؤلفة من مجموعة ميليشيات، متعددة الأصول والمناطق واللغات، أعلنت عن إستكمالها تشكيل حكومتها الأولى بعد العودة إلى السلطة برعاية أميركية ملتبسة، في نهاية الأسبوع المقبل، وأن مندوبي القيادة العليا يجوبون المناطق للإجتماع بقادة الميليشيات والقبائل والوقوف على آرائهم في أمر الحكومة العتيدة، التي ستتولى قيادة البلاد بعد أيام معدودة فقط من خروج المحتل الأميركي.

 

وأي صورة يمكن أن نرسمها للمنظومة الحاكمة في لبنان، الفاشلة والفاسدة والغارقة في غيبوبتها الوطنية، بالمقارنة مع جماعات طالبان الميليشياوية التي تحرص على إشراك مكونات مجتمعها في المشاورات الحكومية، وتسريع خطوات التأليف لتكون الحكومة الجديدة جاهزة لإستلام السلطة فور إنتهاء الإنسحاب الأميركي.

 

تفاصيل الخلافات التي تؤخر الولادة الحكومية في لبنان أصبحت مملة ومضجرة، بل ومعيبة بحق أهل الحكم، كبيرهم وصغيرهم، لأنها تجاوز كل الحدود المعقولة، ولأن أصحابها يعيشون في أبراجهم العاجية، ولا يشعرون بحالات الفقر والقهر والذل التي يعيشها اللبنانيون هذه الأيام، وحوّلت حياتهم اليومية إلى جحيم لا يُطاق.

 

لقد أصبح واضحاً للجميع، خاصة في الخارج أن العقدة المستعصية تكمن في الثلث المعطل، وإصرار رئيس الجمهورية وفريقه على إجراء التشكيلات الإدارية والقضائية والأمنية والديبلوماسية قبل نهاية العهد، لإحكام القبضة العونية على مفاتيح الإدارة على مدى ردح من الزمن!

 

وفي ظل هذه العقلية السلطوية المتسلطة لم يعد السؤال : في حكومة أم ما في حكومة، لأن السؤال الأهم: تبقى الدولة.. أو لا تبقى دولة!