لا يحتاج الوضع الميداني المتفجّر في اليمن وسوريا والعراق إلى جهدٍ كبير لتحديد أسبابه وقراءة أهدافه. كذلك لا يمكن إغفال معنى التصريحات التصعيدية، أو تلك التي تحاول الإيحاءَ بالاستعدادات الجارية في الأسابيع القليلة المقبلة.
فالمنطقة على موعد مع حدث القمّة الخليجية ـ الأميركية بعد أيام، في حين أنّ الحديث عن قرب التوصّل إلى اتّفاق نووي مع إيران، يرسم خَطاً فاصلاً بين مرحلتين، حيث يسعى كلّ طرف إلى تحسين شروطه التفاوضية.
يَعتقد محللون أميركيون أنّ إيران، التي بدأت مسيرة تموضُعِها الجديد تجاه أزمات المنطقة، تميل إلى تركيز هجومها على السعودية ونقلِ المعركة إلى حدودها، علّها تنجح في التأثير على مجرى المفاوضات التي قد تبدأ في الرياض أو في أيّ بلد آخر لبحثِ الوضع اليمني، وفي فكّ الطوق عن جماعاتها الأخرى، سواءٌ في سوريا أو العراق.
هكذا يُنظر إلى تصعيد الحوثيين هجماتِهم، سواءٌ على مناطق حدودية مع السعودية، أو على مواقع أنصار الرئيس اليمني عبد ربّه منصور هادي، خصوصاً في مدينة عدن.
وهكذا يُفهَم الإرباك في صفوف أنصار إيران في العراق وسوريا ولبنان، مع تعَثّر المعارك في محيط مصفاة بيجي النفطية، وتقدّم المعارضة السورية الميداني في أكثر من منطقة، والتردّد في معركة القلمون أيضاً.
وفي اعتقاد هؤلاء أنّ طهران قرأت الإشارات الأميركية بالنسبة إلى مستقبل النظام السوري، مثلما أدركت معاني القرارات الأخيرة التي صدرَت عن لجان الكونغرس، بمجلسَيه الشيوخ والنواب، لتقديم الدعم العسكري المباشر إلى الأكراد والعشائر السنّية من دون الرجوع إلى بغداد.
في المقابل، يتوقّع البعض أن تسعى واشنطن إلى الحفاظ على «توازن» ما في المنطقة، قبل حسمِ الملف النووي، يَسمح بتوفير حدّ أدنى من الضمانات الأمنية والسياسية الضرورية لدوَل الخليج، ولا يَحشر طهران في زاوية ضيّقة قد يكون الخروج منها صعباً من دون «قلب الطاولة».
فجَولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري المكّوكية، يبدو أنّها تسعى الى الحفاظ على هذا التوازن، لكنّها لا تضمن أبداً رسمَ خطوط اللاعبين.
تقول أوساط أميركية مطّلعة إنّ الباب بدأ يضيق على إيران بالنسبة الى ملفّها النووي، فيما خياراتُها الإقليمية بدأت تصطدم بمعوقات جدّية، قد لا تتيح لها مواصلة سياساتها التوسعية في المنطقة.
لكنّها في المقابل تشير إلى أنّ طهران، التي تذهب بنفسها لتوقيع اتّفاقها النووي، إنّما تقاتل في ملفّاتها الإقليمية بأدواتها المحلية، وليس بقواها الذاتية.
فهي ستحصد بنفسها نتائجَ جهودها في المفاوضات النووية، خصوصاً إذا أدّت إلى رفعٍ كلّي للعقوبات عنها وإعادة تنسيبها للمجتمع الدولي.
في حين أنّ خسارتها في الملفات الإقليمية ستكون من دماء الآخرين وليس من دماء الإيرانيين. وهذا فارقٌ كبير مقارنةً حتى «بأعدائها» الذين يقاتلون بلحمِهم الحيّ.
تضيف تلك الأوساط أنّ كلّ المؤشّرات لا توحي بأنّ طهران ستتراجع عن نهجها الذي تمارسه في المنطقة، طالما بقيَت في منأى عن المواجهات المباشرة. وعلى رغم أنّ إلحاقَ الهزيمة بها قد يكون ممكناً، إلّا أنّ التفتّتَ الذي يتّجه إلى التحوّل حجارة دومينو في المنطقة، قد لا يُفسح المجال للتحدث عن حلول راهنة لأزماتها.
تقول أوساط ديبلوماسية عربية في واشنطن إنّ زيارة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني والوعود التي قدّمتها له الإدارة الاميركية بتقديم الدعم العسكري المباشر لثلاث سنوات، تحمل دلالاتٍ فائقة الأهمّية، ليس بالنسبة إلى مستقبل العراق فقط بل ومستقبل كيانات المنطقة برُمَّتها.
فالمشكلة لم تعُد محصورة في كيفية إنهاء تنظيم «داعش»، بل في كيفية إعادة ترتيب بلدانها. والنموذج العراقي قد يُعمَّم في بلدان أخرى، في حين أنّ شظايا التفَتّت قد لا تستثني إيران ودوَلاً إقليمية أخرى أيضاً.
بهذا المعنى، فإنّ انحسارَ رقعة سيطرة النظام السوري، قد لا تؤدّي إلى إنهاء الأزمة في هذا البلد، بقدر ما قد تفتح على واقع جغرافي وكياني لا يستبعد منه النموذج العراقي إذا ترسَّخ بحكم الأمر الواقع!
وتَعتبر تلك الأوساط أنّ ما يجري يبدو أنّه أقربُ إلى بَدء تطبيق الخطة «ب» في سوريا، الأمر الذي يفسّر «البرودة» الإيرانية تجاه الانهيارات التي أصابت النظام في دمشق، والدعوات إلى التحصّن في مناطق الساحل السوري وحركة النزوح الجارية من دمشق وحلب وحتى حمص، ونقل عدد من أنشطة الوزارات إلى تلك المنطقة.