خلال زيارة الوفد اللبناني الأخيرة لبغداد، جرى التوافق على مجموعة نقاط مطلوبة لإتمام اتفاقية استيراد النفط العراقي الأسود. لكن كل نقطة منها تشكل بحدّ ذاتها عائقاً قد يحول دون تحوّل الحلم اللبناني إلى واقع. في ما يلي محضر اجتماع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ووزير الطاقة ريمون غجر مع وزير النفط العراقي
لا يزال الغموض طاغياً على ملف استيراد النفط من العراق لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء بعد انتهاء عقد لبنان مع الكويت وعقد «كهرباء لبنان» مع سوناطراك مع بداية العام الحالي، وحتى لا يقع لبنان في العتمة الشاملة. يوم 20 من شهر كانون الأول الماضي، وصل الوفد اللبناني المؤلف من وزير الطاقة ريمون غجر والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومستشار الوزير داني سماحة الى بغداد، حيث عقدوا اجتماعاً مع وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار في قاعة رئاسة مجلس الوزراء، وانضم الى المجتمعين سفير لبنان في بغداد علي أديب الحبحاب، والمدير العام لشركة تسويق النفط العراقي المعروفة بشركة «سومو» علاء الموسوي، والمدير العام لشركة توزيع المنتجات النفطية حسن عبود، ومدير مكتب وزير النفط العراقي حيدر السعيدي. ووفق المحضر الذي رفعه السفير اللبناني الى وزارة الخارجية والمغتربين، فقد جرى التداول في المسائل المتعلقة بالكميات المطلوبة ومواصفات الفيول أويل، ليتم التوافق على تنظيم اتفاقية من دولة الى دولة بموجب عقد طويل الأمد لمدة سنتين أو أكثر وفقاً للآتي:
1- تسليم شركة مصافي الجنوب عبر مرفأ البصرة للفيول أويل مع إمكانية إجراء معالجة لهذا الفيول بواسطة مهندس منتدب من وزارة الطاقة اللبنانية كي تتطابق نوعيته مع ما تستهلكه محطات إنتاج الطاقة في لبنان. وقد أشار الجانب العراقي الى إمكانية البدء بالشحونات مباشرة من الرصيف الخاص بإحدى الشركات الإنكليزية المعروفة بـ SKA فور موافقة مجلس الوزراء العراقي على مشروع الاتفاقية. وأشار العراقيون الى أن الاستفادة من خزانات هذه الشركة يمكن استغلاله نتيجة عدم الاستفادة منها وتشغيلها منذ فترة طويلة، وقبول الشركة بعرض منخفض الكلفة. حول ذلك تقول مصادر مطلعة إن النقاش لم يتطرق الى الشركات التي ستتولى المعالجة أو التكرير. لكن الخيار اللبناني الأنسب هو التوافق على شركة (اقترح لبنان أن يسميها العراق من دون أن يكون له أي علاقة بها حتى لا يدخل في مشكلات هو في غنى عنها) لشراء النفط العراقي مقابل أن تمدّ هذه الشركة لبنان بنفس الكمية التي اشترتها، على أن يكون الفيول مطابقاً لمواصفات محطات الطاقة وشروط «ليبنور».
2- طرح الجانب اللبناني، دائماً وفق ما أورده السفير اللبناني في المحضر، إمكانية إجراء المعالجة للفيول أويل في مصفاة الزهراني في جنوب لبنان، على أن تُنقل بشحنات صغيرة ضمن الطاقة الاستيعابية للمعالجة والتسليم في المصفاة، وأشار الى عدم إمكانية التخزين بكميات كبيرة لمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية. وتم تحديد الكميات المطلوبة من الجانب اللبناني بـ: مليون طن نفط Grade A، مليون طن لمحطات الطاقة، مليون طن من الغاز أويل. من جهتها، تلفت المصادر الى استحالة تنفيذ هذه الخطوة، لأن المصفاة معطلة ولا خزانات صالحة للتخزين فيها، فضلاً عن عدم قدرة الدولة اللبنانية على معالجة النفط الأسود المستورد من العراق، مع الأخذ في الاعتبار أن أي معالجة، ولو طفيفة، تحتاج الى أيد عاملة، فيما التوظيف ممنوع لمدة 3 سنوات.
ثمة من يقول هنا إن نسبة الكبريت في النفط العراقي الأسود مرتفعة جداً وتراوح ما بين 3.4% و4%، فيما مواصفات المعامل اللبنانية و«ليبنور» تفرض أن تكون نسبة الكبريت أدنى من 1%. (إشارة هنا الى أن النقاش في البداية كان حول النفط الخام ليتطور بعدها الى إمكانية بيع فيول أويل). مشكلة الكبريت قابلة للمعالجة، ولكن هناك مشاكل أخرى في نوعية النفط لا تستقيم سوى عبر التكرير، ومنها نسبة الفاناديوم على سبيل المثال. لذلك طلب الجانب اللبناني رسميا تزويده بمواصفات النفط العراقي ليبنى على الشيء مقتضاه. أما لماذا الأنواع الثلاثة، فلأن الفيول أويل Grade A يستخدم في معملي الذوق والجية القديمين اللذين يحتاجان إلى 910 آلاف طن متري سنوياً. والـ Grade B يستخدم في معملي الذوق والجية الجديدين كما في البواخر، ويلزمهما 910 آلاف طن متري سنوياً. أما الغاز أويل فيتم استخدامه في الزهراني ودير عمار ومعملين صغيرين في صور وبعلبك، ويلزمها مليون طن متري سنوياً، علماً بأن الغاز أويل، خلافاً للفيول أويل، يجب تكريره ولا يمكن الاكتفاء بمعالجته.
3- أشار الجانب العراقي الى إمكانية نقل النفط الأسود وتكريره في مصر، مشيراً الى أخذ موضوع كلفة التكرير لدى المصافي الحكومية المصرية بعين الاعتبار، بالمقارنة مع كلفة التكرير لدى الشركات الأخرى في الدول المجاورة للبنان كقبرص وتركيا واليونان. لكن تشير مصادر وزارة الطاقة الى صعوبة تنفيذ هذا الاحتمال نسبة إلى المبالغ الإضافية التي ستضطر الدولة الى تكبّدها نتيجة إرسال الشحنات الى دولة أخرى لتكريرها ثم إعادتها.
4- «تسديد قيمة النفط العراقي وفقاً للسعر الدولي مع إمكانية تأخير السداد لمدة ستة أشهر بمُعدّل شُحنة تصل الى 250 ألف برميل من الأنواع الثلاثة شهرياً». في هذا السياق، تشير المصادر الى أن النقاش في بداية الاجتماعات مع العراق تركز على الدفع بعد عام، لتعود بغداد وتعدّل في التسهيلات المقدمة الى ستة أشهر نتيجة شحّ الدولار لديها والأوضاع غير المستقرة فيها، أكانت اقتصادية أم اجتماعية. هذا الأمر كان محور المحادثات التي جرت خلال اجتماع الوفد اللبناني مع رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في منزله. وطمأن الأخير اللبنانيين الى إمكانية تأخير السداد لمدة 6 أشهر، رغم ما يمر به العراق من أزمة مالية وعجز في الموازنة بسبب انخفاض أسعار النفط وتقييد مستوى الإنتاج. وفور انتهاء الاجتماع مع الكاظمي، توجه الوفد اللبناني الى منزل وزير النفط العراقي حيث جرى التباحث مجدداً في قطاعَي المياه والكهرباء في البلدين.
الضغوطات الاقتصادية والتجاذبات السياسية العراقية يمكن أن تؤثر سلباً على تمرير الاتفاقية مع لبنان
نتيجة هذه اللقاءات، وصف السفير اللبناني زيارة الوفد اللبناني لبغداد بـ«الناجحة»، والتي ستتكلل بتأمين حاجات لبنان النفطية مع تسهيلات في السداد بحال كانت الظروف السياسية في بغداد مؤاتية. وأشار الى أنه «رغم ما يكنّه المسؤولون والشعب العراقي من محبة للبنان، الا أن الضغوطات الاقتصادية والمعيشية الداخلية والتجاذبات السياسية يمكن أن تفرض نفسها وتؤثر سلباً على إمكانية تمرير الاتفاقية، ما يوجب استمرار التعامل مع هذه المسألة بتروٍّ وعدم إثارتها إعلامياً». لذلك تعتبر مصادر في وزارة الطاقة أن الاتفاقية لا تصبح نافذة مهما كانت النقاشات إيجابية إلا عند توقيع مجلس الوزراء العراقي عليها، وبعد حلّ مشكلة شركة التكرير والمكان الذي ستحصل عملية التكرير فيه. واذا ما ذلّلت هذه العقبات، فإن عملية الاستيراد تتطلب أشهراً، في حين أن عقدَي سوناطراك والكويت انتهيا مع بداية العام الحالي. الكمية المتبقية من الغاز أويل المستوردة من الكويت تكفي لمدة 3 أشهر، ومن ناحية أخرى، إلزام «سوناطراك» لوزارة الطاقة باستيراد الكميات المتبقية ضمن العقد تحت طائلة الغرامات، ستكون مفيدة لتأمين أشهر إضافية أيضاً. لذلك يبقى الحل الأكثر تماشياً مع تلك العوائق، إجراء وزارة الطاقة لمناقصات لكل شحنة بشحنتها، من دون اتفاق لمدة طويلة، بل يمكن أن تجري المناقصات بمعدّل أسبوعي لتأمين الكميات المطلوبة، وهو ما تقوم به الوزارة منذ مدة. هذا الخيار يتطلب توفير الأموال للشركات المتعاقد معها، وهو ترف لا تملكه الدولة اللبنانية، أقله في المدى المنظور.