لم يشعر عراق «الحشد الشعبي» بالخجل أو التردّد، بعد أن قرّر الامتناع عن التصويت، على القرار العربي التاريخيّ، الذي طالب بوقف إطلاق النار، لوقف مأساة غزّة. بكل بساطة، فسّر «الحشديون» هذا الامتناع، بأنه اعتراض على ما ورد في القرار حول حلّ الدولتين، وهو اعتراض لا يمكن أن يتستّر على موقف مخزٍ، لم يكن العراق ليأخذه بهذه اللامبالاة، لو كان متحرّراً من دولة «الحشد»، ورعاتها في طهران.
مأساة العراق الأسير، ليست الوحيدة في فضاء النفوذ الإيراني. لبنان وسوريا واليمن، والآن غزّة، ليست بأفضل حال. في عواصم «وحدة الساحات»، ساحات خالية إلا من الخراب والضحايا، والفشل الاقتصادي، وفقدان الكرامة الوطنية، فيما طهران تقاتل بهذه العواصم جميعاً، لتجلس بعد القتال والضحايا والأثمان المدفوعة من غير كيسها، على طاولة «العم سام»، وليس المهم أين تكون الطاولة المشتركة، في عمان، أم عبر فرنسا الراغبة في لعب دور الوسيط، أم في نيويورك نفسها.
غرفة عمليات دائمة، تهيّئ لأربع دول، مصيرها الأسود من القتال والعنف، حيث تسيل الدماء والدموع، كما في غزة الآن، وحيث تُهدر السيادة ودولة القانون، في العراق ولبنان، وحيث يتحوّل بلد كامل كسوريا، إلى معبر للنفوذ الإيراني، على أنقاض بلد مشلّع الأطراف.
تصلح المقارنة في العراق، بين دولة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ودولة «الحشد» الذي بنته إيران، كي تطبّق على كل من وقع تحت سطوة نفوذ إيران. إنهما نموذجان لا يلتقيان.
تحاول إيران تعميم معادلة «الحشد» في كل مكان. تبدأ القصة مع إضعاف الدولة المركزية، واللعب على التناقضات الداخلية، ثم بناء ميليشيات تعطى عنوان المقاومة والحشد والممانعة، وظيفتها أن تقف سدّاً بوجه استعادة صورة الدولة.
ففي المثال العراقي، يمكن استحضار كيف حاول الكاظمي جاهداً أن يستعيد مكانة العراق، فتمّت العودة الى الحضن العربي، ونظّم العراق مؤتمرات إقليمية مؤثرة، وأعيد الاعتبار ولو بالقدر المقبول للقوى المسلحة الشرعية، وضبطت الموازنة وحقّقت وفراً للمرة الأولى منذ زمن طويل. فماذا كان الردّ؟
حلّقت مسيرة فوق منزل الكاظمي وحاولت اغتياله، ووُجِّه إنذارٌ بأنّ أيّ محاولة لاستعادة الدولة في العراق، ستواجه بمسيرات الاغتيال.
في دولة «الحشد»، تمّ هدم كلّ ما بنته دولة الكاظمي. أعادت إيران الإمساك الكامل بقرار العراق، وفُتح شلال الهدر على مصراعيه، تحت أنظار المواطن العراقي الغارق في الفوضى والأزمة، وتمّ تخصيص مليارات الدولارات «للحشد»، كما تمّ الاقتصاص، من جميع المشكوك بولائهم. قايضت إيران الترسيم البحري في لبنان، بالحصول على حكومة «الحشد»، وها هي النتائج تظهر اليوم، فلقد غاب مشهد الجلوس المتكافئ للعراق كدولة مستهابة، على طاولة القرار الإقليمي والدولي، ويسير العراق إلى حيث يقوده «الحشد»، وليس صعباً توقّع النهايات الحزينة.