IMLebanon

العراق.. العرب السنة سيلحقون بالأكراد إن لم تنته الهيمنة الإيرانية!

 

أخطر ما يمكن أن يترتب على خطوة «الاستفتاء» هذه، التي أقدم عليها أكراد كردستان العراقية، هو أن عدواها قد تنتقل إلى العرب السنة، وهذا احتمال وارد جداً إذا بقيت الأمور تسير وفقاً لما ترتب على معادلة ما بعد الغزو الأميركي في عام 2003، وإذا استمرت الهيمنة الإيرانية على هذا البلد العربي التي لا يستطيع كائن من كان إنكارها، والتي دأب على التغني بها حتى كبار المسؤولين الإيرانيين، خصوصاً جنرالات الثورة الخمينية، ومعهم كثير من رموز وقادة الميليشيات الطائفية التي تنضوي في ما يسمى «الحشد الشعبي»، الذي على رأسه هادي العامري.

بعد الغزو الأميركي وإسقاط النظام العراقي السابق في عام 2003، تحالف الأكراد مع الشيعة، الأكثر ارتباطاً بإيران وبحوزة الولي الفقيه، وفرضوا على العراق نسباً عددية طائفية وقومية، اعتبروا فيها – برعاية المندوب السامي الأميركي بول بريمر – أن العرب السنة يشكلون الأقلية في بلاد الرافدين، وأنهم يجب أن يبقوا هامشيين وثانويين، عقاباً لهم لأنهم كانوا هُمْ صدام حسين، وكان صدام حسين هُمْ. وحقيقة، إن ما عاناه هؤلاء، وما تعرضوا له من عمليات تهجير قسري واقتلاع على مدى نحو أربعة عشر عاماً، لم يسجل التاريخ مثله، لا في زمن المغول وهولاكو ولا في أي مرحلة من المراحل الظلامية التي مرت بها بلاد الرافدين.

لقد جعلت معادلة بول بريمر هذه، التي ألزم بها للأسف حتى الأشقاء الأكراد، نسبة العرب السنة العددية لا تصل إلى العشرين في المائة في العراق، مع أن المعروف أن كل المدن العراقية الرئيسية سنية، وأن أهل السنة يشكلون – إنْ في الوسط وإنْ في الشمال – الغالبية السكانية. وحقيقة، إنَّ هذا كان استهدافاً واضحاً، وقد تجلى في «خريطة» توزيع المناصب القيادية، وفي عمليات التغيير الديموغرافي التي كانت قد بدأت مبكراً، بعد الغزو الأميركي مباشرة، وأيضاً في عمليات التهجير القسري إلى الخارج، التي استهدفت أبناء هذه الفئة العراقية الرئيسية.

وتحت وطأة الاتهامات والملاحقات والمطاردات، وعلى أساس أن هؤلاء كانوا يشكلون القوة الرئيسية التي اعتمد عليها صدام حسين، والقوة الأساسية لحزب البعث الذي لا يزال مطارداً حتى الآن، مع أن الكل يعرف أن الرئيس العراقي الأسبق كان لا يتوانى ولا يتردد في إعدام كل من يخالفه، حتى من قادة هذا الحزب التاريخيين، وحيث بالإمكان – لو يتسع المجال في هذا المقال – إيراد، ليس قائمة واحدة، وإنما قوائم كثيرة بأسماء بعض من لا تزال تحتفظ بأسمائهم ذاكرة أضعفتها عوامل السنوات الطويلة.

الآن، بعد هذا «الاستفتاء» الذي كان خطوة متسرعة، ومن دون وضوح رؤية ولا دراسة كافية، أصبح الأكراد، الذين كانوا يرجحون الكفة السنية، مع أنهم في البدايات كانوا قد وضعوا أنفسهم في المكان الخطأ، خارج المعادلة العراقية؛ وهذا يعني أنه غير مستبعد أن يسير العرب السنة على الطريق الذي سار عليه هؤلاء، أي الكرد، إنْ لم يتم أولاً التخلص ونهائياً من هذه المعادلة التآمرية الآنفة الذكر، وإنْ لم يتم التخلص ثانياً وبصورة نهائية من الهيمنة الإيرانية على هذا البلد العربي الذي لا يقل تمسك الشيعة فيه بعروبتهم عن تمسك أشقائهم السنة، خصوصاً بعد تجربة كل هذه السنوات الطويلة القاسية من التحكم الإيراني والسيطرة الفارسية.

يجب أن يدرك أصحاب القرارات الفعلية في العراق، والمقصود هنا هو الولايات المتحدة وليس إيران، أن هذه «التركيبة» الطائفية والمذهبية، التي جعلت الأكراد، وبعد طول معاناة، لم يعد أمامهم إلا هذا الخيار الصعب، وإلا مغامرة «الاستفتاء» هذه، ستجعل العرب السنة يلحقون بهم، ويسيرون على خطاهم. والفرق هنا أن المؤكد أن هؤلاء، أي العرب السنة، إن هُمْ أقدموا على مثل هذه الخطوة، فإنهم بالتأكيد لن يواجهوا رفضاً كالرفض الذي واجهه الأكراد، خصوصاً من قبل الأتراك والإيرانيين، فهناك في هذه المنطقة أكثر من عشرين دولة عربية سنية، والمعروف أن الشرق الأوسط كله من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي هو عبارة عن بحر عربي سني، مع كل الاحترام والتقدير والمحبة للفئات الأخرى، وللأقليات القومية والدينية المتعددة.

لقد سمعنا، وهذا مثبت ومعروف ومؤكد، أن هناك من «تنبأ» – وهذا كان قبل عام 2003، عندما كان صدام حسين لا يزال في ذروة قوته وسيطرته الداخلية، وفي ذروة مكانته العربية والدولية – بأن مصير العراق هو التجزئة، وأنه سيصبح ثلاث دول بدل دولته الواحدة؛ هي: دولة سنية في الوسط، ودولة شيعية في الجنوب، ودولة كردية في الشمال. وهنا، فإن أغلب الظن أن أشقاءنا الكرد عندما اختاروا هذا الخيار الصعب، وأصروا على هذا «الاستفتاء»، وعلى هذا الانفصال، ربما استندوا إلى هذه «النبوءة» الكارثية القديمة.

وبالطبع، فإنه يجب عدم الاكتفاء بمجرد رفض هذه النبوءة القديمة الكارثية، بل يجب مقاومتها، أولاً من قبل العراقيين أنفسهم (السنة والشيعة)، وثانياً من قبل العرب الشرفاء، وثالثاً من قبل الدول المعنية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي بما أنها «تسلَّمت» عراقاً موحداً في عام 2003، فإن عليها أن تحافظ على بقاء هذا العراق موحداً، كما كان قبل احتلاله في عام 2003، فشَرْذَمَة كهذه إن كانت في مصلحة الإسرائيليين والإيرانيين، فإنها ليست بالتأكيد في مصلحة الأميركيين ولا الروس ولا أي من دول الاتحاد الأوروبي.

وهكذا، فإنه على الشرفاء من الطائفة الشيعية، وهم كثر بالفعل، وفي مقدمتهم السيد مقتدى الصدر، أن يوقفوا محاولات دفع السنة العرب إلى خارج الدائرة العراقية الموحدة، كما دفعوا الأكراد إلى خارج هذه الدائرة، فالعراق الواحد الموحد يجب أن يبقى بعيداً عن التجزئة والانشطار. ويقيناً أنه إذا حصل العكس، لا سمح الله، فإن الهيمنة الإيرانية ستتجذر وتتعزز في هذا البلد العربي الذي بقيت الكوفة منذ زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حتى الآن عنوان عروبته، والذي احتله الصفويون لسنوات طويلة لكن في النهاية لم يصح إلا الصحيح؛ والصحيح أن بلاد الرافدين لن تكون إلا عربية، وأنها ستبقى عربية، كما كانت في عهد المناذرة، وبعد ذي قار وهاني بن مسعود الشيباني، وفي زمن الأمويين والعباسيين، وبعد الثورة العربية الكبرى التي كان من خيرة رموزها عددٌ من القادة العراقيين.

ربما أن الأشقاء الأكراد لن ينجحوا في «قفزتهم» غير المحسوبة العواقب حسابات جيدة هذه، لكن حتى إنْ هُمْ بقوا يتمسكون بنتائج استفتائهم هذا، فإنهم يجب ألا يصبحوا بعيدين عن العراق وأهله، وإنهم يجب ألا يعاملوا العرب كما يعاملهم الإيرانيون والأتراك. ومع التأكيد على أنه إن لم يتم تغيير هذه المعادلة العراقية الجائرة، التي وضعها بول بريمر بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، والتي هي السبب الرئيسي للهيمنة الإيرانية على بلاد الرافدين منذ ذلك الحين حتى الآن، فإن العرب السنة سيضطرون إلى السير على الطريق الذي سار عليه أشقاؤهم الكرد. إنَّ هذه هي حقائق الأمور، وإنَّ هذا البلد العربي العظيم ذاهب إلى التشظي، إن لم يجر تدارك هذه الأمور بسرعة واستبدال هذه المعادلة – المؤامرة التي بقيت سائدة بقوة هيمنة نظام الولي الفقيه وأعوانه، والتي إن هي لم تستبدل بمعادلة جديدة، فإن على العراقيين والعرب أن يقرأوا على «عراقهم» الموحد العظيم الفاتحة… واللهم فاشهد.