IMLebanon

العراق يتأرجح بين التقسيم والوحدة

الأطراف المعنيون بالعراق يعملون بقوَّة من أجل تحقيق أهدافهم وأبرزها وقف توسُّع “داعش” ثم قضم المناطق التي احتلَّها تمهيداً للقضاء عليه عندما تنضج الظروف السياسية والعسكرية. لكن عملهم ليس منسّقاً رسمياً. وهذا واقع يعرفه الجميع إلا أنه لا يدفع هؤلاء إلى التنافس والتقاتل. فالهدف الأكبر أي “داعش” لا يزال يوحِّدهم وقد يكون الإجماع الفعلي على التخلُّص منه أحد عوامل دفعِهم إلى تفاهمات حول قضايا أخرى تفرِّقهم. فالميليشيات الشيعية العراقية، يقول المتابعون الأميركيون أنفسهم للشرق الأوسط وتطورات أوضاعه، نجحت بمساعدة الحرس الثوري الإيراني بخبرائه العسكريين وحلفائه المقاتلين في وقف تقدم “داعش” نحو بغداد والجنوب وكردستان العراق، وفي تحرير مناطق عدة متواضعة نسبتها من احتلال “داعش”، وأعادت بناء ما يسمى حزام بغداد، بطريقة جعلت منه سدّاً منيعاً وعصياً على الاختراق العسكري على رغم التنوع المذهبي لأبنائه. والجمهورية الإسلامية الإيرانية رسمت خطاً أحمر عمقه 40 كيلومتراً وحذَّرت “داعش” من محاولة تخطِّيه تحت طائلة اشتراكها في الحرب ضده مباشرة. كما أن المملكة العربية السعودية والأردن بدءا تحصين حدودهما مع العراق بوسائل عدة بغية منع الإسلاميين المتشددين حتى التكفير والعنف من اختراقها. لكن ذلك كله لم يحلّ مشكلة المناطق السنّية في العراق وربما يكون فاقمها، يضيف المتابعون أنفسهم. فالعشائر والجماعات السنّية المتنوعة منقسمة. بعضها لا يمانع في التعاون مع الجيش العراقي المُصنّف شيعياً الذي لم يقُم بعد من الانهيار الذي أُصيب به على رغم وجود أعداد كبيرة جداً من السنّة فيه، وكذلك مع الميليشيات الشيعية المتنوعة من أجل محاربة “داعش” واستعادة غالبية المنطقة السنّية التي احتلّها. وبعضها الآخر يرفض دخول هؤلاء إلى مناطقه وإن بهدف رسمي هو التحرير. ذلك أن نجاحه في تحقيق هذا الهدف لا بد أن يعيد سيطرة الغالبية الشيعية في العراق على المناطق السنّية. فضلاً عن أنه يفسح في المجال أمام ممارسات مؤذية في حق العراق ووحدته وسمعة شعبه مثل التطهير المذهبي والاستيلاء على الأملاك والمقتنيات وما إلى ذلك. علماً، يلفت متابعون عراقيون لأوضاع بلادهم وتحديداً لحركة المرجعية في النجف الأشرف، أن المرجع الأبرز آية الله علي السيستاني حرّم ذلك بموجب فتوى، وهو يحرص على أن تُنفّذ فتواه. وذلك بدأ في المناطق التي استهدفتها الممارسات، وهي للمناسبة ليست كل المناطق السنّية. أما البعض الثالث من العشائر والجماعات السنّية المتنوعة فيطلب تأسيس “حرس وطني” في المنطقة السنّية أو في الأقاليم السنّية تتولى الدفاع عنها على الأقل في المرحلة الراهنة. ذلك أن الجيش لم يقم بعد من عثرة انهياره ولم ينجح بعد، وعلى رغم محاولات الحكومة ورئيسها حيدر العبادي، في إشاعة الثقة بنزاهته وعدم انحيازه إلى المكوّن الشيعي، وحتى بكفايته عند السنّة العراقيين وربما عند غيرهم. وفي انتظار تأسيس “الحرس” الذي يحتاج إلى وقت، يطلب البعض الثالث نفسه من الأميركيين كما من حكومة العراق تسليح مجموعاته وعشائره وتدريبها. وقد استقبلت واشنطن في الآونة الأخيرة وعلى مرحلتين ممثلين للبعضيْن الأخيريْن من العشائر والجماعات السنّية لدرس هذا الموضوع. ولا يبدو أن اتفاقاً على بتِّه تمّ التوصل إليه على رغم ميل الأميركيين إليه. فحكومة العبادي وخصوصاً المكوّن الشيعي فيها وفي البلاد يرفض “الحرس الوطني” على رغم ما نُص عليه في “الدستور الفيديرالي”. ولا يبدو أنها ستغيّر هذا الموقف على الأقل في المرحلة الراهنة، وخصوصاً في ظل تبنِّي طهران له.

ما الصورة التي سيكون عليها العراق في حال كالمشروحة أعلاه؟

تريد واشنطن، استناداً إلى المتابعين أنفسهم، احتواء “داعش” في العراق بواسطة غارات “التحالف الدولي” والحروب البرية التي يشنّها عليه الجيش والميليشيات الشيعية. وهي حققت ذلك في نظر معظم هؤلاء. أما حلفاؤها العرب، ومع تأذّيهم من “داعش” وأمثاله، فإنهم لا يبدون مستعجلين للتخلص من سيطرته على المنطقة السنّية لأنه قطع طريق الإمداد البري الإيراني عن سوريا، وهذا ضروري طالما لم تصل إيران إلى تسوية مع المجتمع الدولي حول ملفّها النووي، تفتح الباب أمام البحث في تسويات اقليمية تحدّ من طموحها اللامتناهي، وتشرك عرب المنطقة وتحديداً خليجييها في ذلك. ويعني ذلك أن العراق سيبقى متأرجحاً بين التقسيم والوحدة… الهشّة.