IMLebanon

أذرع إيران تضرب الوجود المسيحي في العراق… وتُهجّر البطريرك ساكو

 

كأنه لا تكفي المصائب التي حلّت بمسيحيي الشرق عموماً والعراق خصوصاً، فدرب الجلجلة الذي بدأ منذ الإجتياح الأميركي للعراق عام 2003 وتبعته تفجيرات تنظيم «القاعدة» واستهدافها الكنائس والأديرة والتجمّعات المسيحية، أكمل مسيرته باحتلال تنظيم «داعش» أجزاء من العراق، ما سبب موجات هجرة مسيحية متتالية. لكن كل هذه الأخطار والمصائب لا تساوي الخرق من الداخل، فقد هُجّر بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق الكاردينال لويس روفائيل ساكو من مقرّه في بغداد إلى كردستان.

 

قُدّر عدد مسيحيي العراق قبل الإجتياح الأميركي بنحو مليون ونصف المليون، لكنّ هذا العدد انخفض اليوم إلى أقلّ من الثلث. وإستقطب لبنان موجة الهجرة الأولى بعد عام 2003، وتمركز الكلدان والسريان والآشوريون في جبل لبنان خصوصاً. لكن إطالة أمد الحرب العراقية وغياب الأفق وتراجع الحضور المسيحي وفتح أبواب الهجرة، عوامل ساهمت في هجرة مسيحيي العراق من لبنان إلى أوروبا وأستراليا وأميركا الشمالية.

 

ساهم تمدد «داعش» منذ نحو 9 سنوات في تهجير عدد كبير من المسيحيين، ما شكّل ضربة إضافية للوجود المسيحي في العراق. ولم يستطع القادة المسيحيون هناك بناء منطقة نفوذ ورفضوا مشروع حكم ذاتي في سهل نينوى عرضته واشنطن عليهم مثل الأكراد في كردستان، وذلك تحت عنوان الحفاظ على وحدة العراق، فدفعوا الثمن الأكبر.

 

لكن الخطر من الداخل أشدّ وطأة من خطر الخارج، فقد نجح «الحشد الشعبي» الشيعي الموالي لإيران في بناء ميليشيا تحمل «راية» مسيحية وفيها عناصر شيعية وتتبع له وتتلقى المال والسلاح منه، وبالتالي شهد العراق ولادة حركة «بابليون» كفصيل مسيحي تحت جناح «الحشد الشعبي».

 

«بابليون» هي أحد فصائل «الحشد الشعبي» ويرأسها ريان الكلداني، الذي أدرجته واشنطن على لائحة الإرهاب بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان. وشاركت قائمة «بابليون» في الانتخابات النيابية كقائمة تدّعي تمثيل المسيحيين. لكنّ المسيحيين في العراق اعتبروا هذه القائمة غريبة عنهم ودخيلة، وانتقدوا ظهورها المفاجئ من دون أي تاريخ أو انجازات لقادتها الذين تربطهم علاقات وثيقة مع سياسيين يدورون في فلك النفوذ الإيراني.

 

وبعدما سطع نجم «بابليون» بدعم إيراني، وارتكابها تجاوزات، أعلنت البطريركية الكلدانية أن لا علاقة لها بالحركة ولا بقائدها ريان الكلداني ولا تُمثلها، وكذلك فعل بعض النواب المسيحيين، بينهم عماد يوخنا ويونادم كنا.

 

ونظراً لرفضها من المكوّن المسيحي تصاعدت حدّة التوتّر بينها وبين البطريرك ساكو، إلى أن حصل ما لم يكن في الحسبان، فالحركة التي تزعم تمثيل المسيحيين هجّرت البطريرك ساكو من مقرّ بطريركية الكلدان في بغداد تحت أعين السلطة العراقية، في عمل يُذكّر بتهجير البطاركة من مقرّاتهم عبر تاريخ طويل من الإضطهاد في المنطقة.

 

وفي هذه الأزمنة، كشّر النفوذ الإيراني في العراق عن أنيابه، وكشف عن وجهه الحقيقي، وبعث برسالة إلى المسيحيين تتخطّى حدود العراق ومفادها إمّا ان تعيشوا كأهل ذمة تحت جناحنا وإمّا ترحلون. وهكذا، قرّر البطريرك ساكو الإنسحاب من المقرّ البطريركي في بغداد والتوجّه إلى أحد الأديرة في كردستان، مندّداً بـ»حملة» تشنّها ضدّه «بابليون» وبـ»صمت» الحكومة.

 

ترك هذا التطوّر أثره في نفوس مسيحيي العراق، فعلى الرغم من تقهقر وجودهم الديموغرافي، خُرقوا من الداخل من قِبل إيران. ويؤكد مصدر كنسي عراقي لـ»نداء الوطن» أن البطريرك بصحة جيّدة ولم يتعرّض لأي أذى ويُتابع شؤون الرعايا في كلّ أرجاء العراق.

 

ويشدّد المصدر على أن ما حصل مناف للأخلاق، وهناك مخطط للقضاء على الوجود المسيحي العراقي وبأيدي أهل البيت ومن سلطة لا ترحم. لكنّه أكد أن هناك قراراً من البطريرك بعدم الإستسلام، مشيراً إلى عدم وجود فرق بين حملة «داعش» وإجرامه وما يحصل مع البطريرك ساكو وكلّ من يُعارض «بابليون». ويسأل: كيف تدّعي إيران الحفاظ على الأقليات والمسيحيين، وتترك أزلامها يهجرون بطريرك الكلدان في عمل بربري أسوأ من همجية «داعش»؟