IMLebanon

أُحجية الإصلاح العراقية

ثمة حاجة عراقية لاجراء مقارنات ومقاربات جديدة بين القوى المطالبة باصلاحات تخرج البلاد من دوامة المحاصصة الطائفية وتبعد سيناريوات التقسيم التي تطفو على السطح كلما اقتربت الازمة السياسية المركبة خطوة اضافية الى نقطة اللاعودة.

اول ما يتبادر إلى الذهن لدى الحديث عن القوى المطالبة بالاصلاح السياسي والاقتصادي في العراق الصخب الذي احدثه التيار الصدري مع اقتحام انصاره المنطقة الخضراء لفرض خيار الرحيل على الرئاسات الثلاث.

صخب المنطقة الخضراء الذي اثار ارتياح فئات من العراقيين ومخاوف اخرى لم يحل دون بلورة اصطفافات مختلفة تطرح فهماً اخر لكيفية الحد من تراكمات الازمة وايجاد مخارج من المنعطف الحاد الذي وصلت اليه الطبقة السياسية العراقية المستفيدة من نظام المحاصصة السياسية وافرازاته.

يمكن العثور على بعض ملامح القوى العراقية التي تكرس النموذج المختلف في الخطاب السياسي لتجمّع «موطني» الذي عقد اجتماعه الثالث في عمان بعد اجتماعين في بغداد ولندن مستفيداً من قوة دفع احدثتها تظاهرات واعتصامات الميادين والساحات التي تحولت الى عمل منظم يحاول سد فراغات المجتمع المدني التي ساهمت في تكريس هيمنة الاحزاب الدينية على السلطة.

تقتضي المقاربة او المقارنة بين الطرفين – في حال حدوثها – تحديد طبيعة كل من القوتين ونمط تفكيرها ومدى قبولها في الشارع ولدى الاطراف الدولية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي والادوات التي تستخدمها كل قوة من القوتين لتحقيق طروحاتها.

في هذا السياق ما يستدعي الانتباه الى ان التيار الصدري الرافض للمحاصصة جاء من خلفية دينية وينحسر وجوده في طائفة بعينها وما زال جزء من التحالف الوطني الحاكم القائم على اساس طائفي رغم معارضته لسياسات شركائه وادراكه خطورتها على مستقبل الطائفة وبقية المكونات ووحدة البلاد ولا يخلو الامر من اتهامات للسيد مقتضى الصدر بمحاولة سد الفراغ الناجم عن غياب مرجعية السيستاني المنكفئة احتجاجا على ممارسات الاطراف السياسية.

في المقابل تكشف طريقة تفكير تيار «موطني» وارث المعتصمين في ساحات بغداد والمحافظات عن نزعات علمانية وحرص على تجاوز المسألة الطائفية باعتبارها جالبة للانقسام والاصطفافات القائمة على الهويات الفرعية التي تضع الشعب الواحد على سكة الاحتراب الاهلي. 

ولا تغيب المشاركة في السلطة عن اهتمامات التيار الصدري حيث كانت هذه النقطة بعض اسباب مشاركته في التحالف الوطني والانتخابات النيابية والحكومة مما يعني انه يتحمل بعض المسؤولية عن ما آلت اليه الاوضاع في البلاد بما في ذلك الفساد المستشري في مؤسسات الحكم الذي انتفض الصدريون لاصلاحه.

على الجانب الآخر يبدي اصلاحيو المجتمع المدني الذي يمثله «موطني» وحراك الساحات تصورا مختلفا لحراكاتهم حيث يؤكد نشطاؤهم على انهم يريدون توجيه السلطة ولا يطمحون للمشاركة فيها وان كانوا لا يمانعون في انضمام اعضاء في مجلس النواب الى صفوف حراكهم في حال انسجامهم مع الافكار والادبيات المطروحة. 

منذ الاطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003 وحتى اقتحام البرلمان اظهر التيار الصدري استعدادا لممارسة العنف وقام بتشكيل قوات خاصة اختلفت اغراض تشكيلها واثبتت الاحداث انه لم يتخل عن فكرة وجود ذراع عسكرية له حتى لو حققت اغراضها مما يعني انه ما زال يصر على تشكيل مليشيات خارج اطار القانون الامر الذي يظهر فهمه للقانون وطبيعة الدولة ويناقض دعوات الاصلاح التي يطرحها.

تمثل هذه الممارسة نقطة اختلاف اخرى مع الحراكات المدنية الآخذة في التبلور والتي تصر على جوهرها المدني وتحرص على ايجاد هيبة ما لفكرة الدولة في بلد تكثر ميليشياته وتستخدم قواه السياسية العنف لفرض الامر الواقع ويزيد من اهمية اصرار قوى المجتمع المدني العراقي على هذه المسألة انها تمسكت بموقفها رغم تعرضها لمحاولات القمع في بدايات نزول المعتصمين الى الميادين مما يعني ان هناك رغبة في تجذير قيم المجتمع المدني في الحياة السياسية العراقية.

تذبذب مواقف وسياسات الزعيم الصدري يبقيها بلا سياقات واضحة ولا يحول توفر هذه السياقات – في حال حدوثه من دون تعدد تأويلات شارع سياسي غير مستقر اعتاد على الشك في الطبقة السياسية واجنداتها وارتباطاتها المعلنة والمخفية مما يحد من قدرة هذا الشارع على التفاعل مع الظاهرة الصدرية ويعزز الاعتقاد بمحدودية انصار الصدر رغم ما يملكونه من قدرة على الصخب ويعزز هذه القناعة انتماء تيار الصدر لمكون طائفي واحد تتنافس قوى اخرى على احتوائه وتمثيله.

يختلف الامر بالنسبة لقوى المجتمع المدني التي تتيح طبيعتها العابرة للطوائف والاعراق وعمومية مطالبها وخلفيات القائمين عليها التقاء جميع المكونات السياسية والاجتماعية والدينية والمذهبية فيها وان طغت عليها الصبغة الشيعية ـ بسبب احجام العرب السنة عن الانخراط في انشطتها لعدة اسباب من بينها غياب ثقة المكون السني بالدولة بعد ما تعرض له من ممارسات خلال ولايتي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي ـ وبطبيعة الحال تعني القدرة على عبور الطوائف امتلاك اصحاب هذا المشروع ما يكفي من الافق لتكريس شكل جديد من العمل السياسي في البلاد. 

تعيق طبيعة وخلفيات وممارسات زعيم التيار الصدري وغموض تحالفاته وارتباطاته امكانية قبوله دوليا وان ابدت بعض العواصم الاقليمية رغبة في استثماره مرحليا مما يثير الشكوك حول قدرته على احداث اثر في الحالة العراقية لكن الامر يبدو مختلفا بالنسبة لحراك المجتمع المدني الذي يستمد ثقافته من تحركات عرفها الغرب منذ عقود ساهمت في تخصيب وتطور فكرة الدولة ودورها وتعاطيها مع مواطنيها.

تمتلك مخاضات المجتمع المدني العراقي المتمثلة بمبادرة «موطني» وحراكات الساحات والميادين ما يكفي من القدرة على تحديد مخارج اكثر امنا من الازمات المركبة ولديها الروافع اللازمة لتصدر وقيادة التحركات المطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد خلال المرحلة المقبلة لكن الامر لا يخلو من معيقات بعضها داخلي والاخر خارجي لا سيما وان الاطراف الاقليمية صاحبة ادوات الفرز الطائفي والقدرة على التاثير في الداخل العراقي تجد في نجاح تجربة مجتمع مدني وفرض تصوراته تهديدا لاوضاعها الداخلية.

() كاتب من الاردن