تتلاءم الأرقام المهولة التي تطير من بغداد في هذه الأيام عن الفساد المالي، مع الواقع السياسي الذي جعل من العراق، مجرد ساحة لنفوذ ايران واهوائها.
وتلك بداية الضنى وجذره الأول، وحيث تتشابه الكيانات المستهدفة بالمشروع الايراني في ناحية حاسمة هي تحطيم بنيان الدولة ومؤسساتها. واشاعة الازدواجية بين الشارع والشرعية بما يعنيه ذلك من تغييب أكيد لكل الأطر النظامية والرقابية لصالح تقدم شروط الولاء المذهبي ثم السياسي ثم الوظيفي الاستلحاقي.
وتلك مقومات توصل حُكماً الى تفلّت لا سقف له في الحالة العراقية، مثلما هو الحال (تقريباً) في لبنان بالمناسبة. مع ان مثالنا لا يزال قاصراً عن مراتب المثال العراقي برغم ان مثلبة الفساد سابقة على انهيار الدولة عندنا، بل تكاد ان تكون توأمها منذ البدايات والولادات والانطلاقات!
وزير المال العراقي هوشيار زيباري المُعرّض للمساءلة وحجب الثقة عنه في البرلمان على خلفية اتهامات بالفساد المالي.. قال في حديث متلفز له رداً على ذلك، انه يملك وثائق وأدلة عن تحويل أحد السياسيين العراقيين (والمقصود نوري المالكي على ما يبدو) مبلغ ستة مليارات و455 مليون دولار الى حساب شخصي له خارج العراق! .. والرقم الفلكي المذكور الذي يوازي موازنة دولة في عوالمنا! ليس يتيماً، ولا مقطوعاً عن سياق سوي، بل سبقته أرقام فلكية أخرى، وان كانت أقل حجماً. بدءاً من حازم الشعلان الذي كان وزيرا للدفاع وهرب الى الخارج في العام 2007 بعد اتهامه باختلاس نحو 900 مليون دولار فقط! مروراً بالأموال النقدية التي اتهم احد اولاد المالكي بنقلها (الى لبنان) والبالغة نحو مليار ونصف المليار دولار! وصولاً الى الجنود الوهميين (والفضائيين) الذين تبين غداة فضيحة سيطرة «داعش» على الموصل في صيف العام 2014، انهم كانوا موجودين على الورق وفي الموازنات الرسمية فقط.. وعددهم اكثر من خمسين الفاً بقليل، كانت «مخصصاتهم» و»رواتبهم» تصرف بشكل رسمي ونظامي، ولا مثيل له سوى في منتجات الخيال العلمي وغير العلمي!.. الى غير ذلك من الأمثلة التي لا يمكن حصرها في عجالة!
البعض يقول، ان ما يحصل في بغداد ليس سوى ترجمة (أو تتمة) لنزاعات سياسية يستخدم فيها موضوع الفساد، مثلما يستخدم المعطى المذهبي أو الحزبي. وان ذلك في جملته، يعكس ارادة من ايران وتوابعها المحليين بإحكام السيطرة على كل مفاصل القرار وكل مراتبه، وبما يترافق مع السعي الميداني النشط لحسم الحرب ضد «داعش» وتحت ستار هذه الحرب.
وهذه سيرة تدخل في تفاصيلها مساعي القبض التام على السلطة المركزية، كما السعي الى تثبيت التعديلات الديموغرافية المتأتية عن المعارك الدائرة، عدا عن تحويل «الحشد الشعبي» الى رديف لـ»الحرس الثوري» الايراني.. ثم التفرغ «لمعالجة» لوضع الكردي في مناطق الحكم الذاتي بما يلجم طموحات أهله ويشذب جموحهم!
.. بغض النظر عن ذلك كله، فإن الفساد المالي في ذاته، يتمم (ويؤكد) منظومة الفساد العميم التي انتجها النفوذ الايراني في العراق. والتي ما كان لها ان تنجح إلا بتكامل حلقاتها، سياسياً (ومذهبياً) وسلطوياً وديموغرافياً وأمنياً وعسكرياً و(ديبلوماسياً!) ومالياً، بطبيعة الحال.