بالرغم من أنّ الطحين العراقي الذي وصل إلى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، وكذلك الطحين التركي، أتى بمثابة هبة لتوزّع بالمجّان على الشعب اللبناني المنكوب الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة، إلا أنّ أصحاب الأفران يؤكّدون أنهم وبعد استلام قسائم الطحين من وزارة الإقتصاد (مديرية الحبوب والشمندر السكري) في بيروت، لصرفها من المطاحن على أساس أنها هبة من دولة العراق، فإن الأخيرة تبيعه لهم على أنّه طحين مدعوم من الدولة.
وفي هذا السياق، يختلط الحابل بالنابل. فالدولة التي تقول إنها تدعم الطحين عبر دولارات مصرف لبنان هي في الحقيقة تبيع الأفران ومنذ مدّة من طحين الهبات على أساس أنّه الطحين المدعوم من مصرف لبنان. ويؤكّد عدد من أصحاب الأفران أنّ لا سعر ثابتاً للطن، فكلّ مطحنة تسعّر على هواها، على أنّ سعر الطن الواحد يتراوح بين 350 ألف ليرة لبنانية، و700 ألف . وبينما لا يعرف أصحاب الأفران آلية التعامل المتّبعة بين وزارة الإقتصاد والمطاحن، وما إذا كانت الوزارة تقدّم هذا الطحين إلى المطاحن بالمجّان في الأصل أم لا، إلا أنهم يستغربون “كيف أن كل مطحنة تبيع بسعر مختلف عن الأخرى من جهة، وهناك من يحصل على الطحين المدعوم هذا بسعر 350 أو 400 الف ليرة للطن الواحد، بينما يحصل عليه صاحب فرن آخر بسعر 700 ألف ليرة لبنانية”.
عطفا على ذلك، فإن الطحين الهبة والذي يباع على أساس أنه مدعوم من الدولة في وقت تبيعه المطاحن لأصحاب الأفران بأسعار متفاوتة وتبعاً للحظوة السياسية، وليس لحاجة كل فرن وقدرته الإنتاجية؛ فإن اصحاب أفران الشمال وتحديداً في طرابلس والضنية والمنية وعكار، يحصلون على أقل نسبة من كميات الطحين (المدعوم)، وتوزيعها بين المناطق والأفران لا يتمّ بشكل عادل.
ويشير صاحب فرن في الشمال إلى حاجته لـ 300 طن شهرياً، “تُسلّمنا وزارة الإقتصاد 100 طن منها ويبقى علينا شراء 200 طن من السوق السوداء بسعر يتراوح بين مليون ومليون ومئتي ألف ليرة لبنانية تقريباً، وهناك أفران في مناطق أخرى تصلها الكميات التي تحتاجها من الطحين المدعوم وبالسعر الذي تريده، فقط لأنّ أصحابها في اتجاه سياسي معين، أو لديهم معارف في المديرية في بيروت، ونحن زملاء ونسمع من بعضنا البعض ونرى ما يحصل”. ويتابع: “قال لي أحد الزملاء القريبين من أحد التيارات السياسية التي تمون على الحكومة ووزير الإقتصاد بقوة، عليك يا صديقي أن تزور هذا الشخص، وسمّى لي أحد المفتشين الكبار في الوزارة في بيروت وهو تابع لهذا التيار السياسي، أو أن تأتي إليه عبر أحد مسؤوليه، وإذا اقتضى الأمر عبر رئيسه نفسه، وستحصل على ما تريد من كميات الطحين وبالسعر الذي تريده أنت أيضاً.. وأنا جاهز لأساعدك، ولكن عليك بهذا الممرّ السياسي الإلزامي لتحصل على الطحين”.
وفي حين تؤكد الوزارة بأنّ كمية الطحين هذه تكفي الى 5 كانون الثاني المقبل، فإن أصحاب الأفران يعتقدون بأن “هبة الطحين قد شارفت على الإنتهاء، بسبب التوزيع السياسي وغير العادل بين المناطق والأفران، ومن المرجّح أن تعود أسعار الخبز إلى الإرتفاع، في الأيام المقبلة”.