الشيعة في مختلف أنحاء العالم العربي هم عرب خُلّص في معظمهم… وأكثرهم عروبة هم اخوتنا الشيعة اللبنانيون، وكذلك الشيعة في العراق… وهذا التأكيد لا بد منه في وقت يشكل المشهد على البعض الذي لا يفرّق بين الشيعة العرب في العراق والمشروع الصفوي الايراني الذي ينفذ في العراق على أيدي أحزاب شيعية موالية لهذا المشروع ولولي الفقيه، على عكس الزعيم الشيعي الكبير السيّد مقتدى الصدر الذي استأثر بالإهتمام العالمي والمحلّي في الأيام الأخيرة من خلال حدثين أحدهما سياسي والآخر عملاني على الارض، أمّا الأوّل فتمثل بزيارته المملكة العربية السعودية ولقائه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، أمّا الثاني فالتظاهرة المليونية الحاشدة التي لبت الجماهير الشيعية دعوة السيّد الصدر إليها متجاوبة مع موقفه العربي، المعارض ولاية الفقيه، القائل بعروبة العراق وبحتمية إخراج النفوذ الاجنبي منه، وفي طليعته النفوذ الايراني.
والواقع أنّ الأكثرية الساحقة من شيعة العراق لا علاقة لهم بالمشروع الايراني الفارسي وإن كان بعض الأحزاب الشيعية يستغل عامة الناس للتضليل وزرع بذور التفرقة بين المكوّنات الأساسية في العراق، خصوصاً بين الشيعة وأهل السُنّة العراقيين الذين هم أكثر من عانى القهر والعذاب والاضطهاد منذ الغزو الاميركي في العام 2003… ولكن المكوّن الشيعي العربي في العراق كان الأكثر عرضة للتضليل في مرحلة ما بعد الغزو الاميركي خصوصاً بجعله يستأثر بحكم العراق وحده من دون سائر المكوّنات العراقية، وبالتالي ارتدت على المكوّن الشيعي سلبيات المرحلة كلها ولو من دون وجه حق أحياناً.
ويتمثّل ذلك في أنّ تنظيم “القاعدة” استهدف العراقيين عموماً، والشيعة منهم على وجه التحديد… ومعلوم أنّ تنظيم “القاعدة” هو اختراع أميركي – إيراني مشترك… ولا مجال الآن لتفصيل هذه النقطة… إذ كان الهدف منه دفع الشيعة الى التضامن في وجه عدوّ واضح وبالتالي ضد إخوانهم في المواطنة أي ضدّ أهل السُنّة… وتلك كانت المؤامرة الكبرى التي جازت على العامة من الشيعة العراقيين والتي روّجت لها، على وجه الخصوص، قيادات شيعية عراقية دينية وحزبية.
ويقول أحد الكتاب البارزين إنّ الأحزاب الشيعية العراقية عمدت، وبنصائح إيرانية، الى إبقاء الشيعة في حال فقر عام، والإمعان في قتلهم من خلال التفجيرات التي كانت تنظمها بحقهم في مناطقهم، لكي تستثمر بعد ذلك مشاعر غضب الشيعة الناتجة عن الفقر وقتل أحبائهم… لماذا؟ لاستثمار ذلك كله في دفعهم الى التطوّع في الميليشيات التي شكلوها لهم.
من هنا كان “الحشد الشعبي”، الذي ربما نعود إليه في افتتاحية لاحقة… وفي رأي الكاتب ذاته أنّ “الحشد الشعبي” أوجد ليبقى ولن يجري حله، وهو مثل “حزب الله” في لبنان سيظل محتفظاً بسلاحه.
ويطرح السؤال ذاته: ماذا جنى الشيعة بعد 13 سنة من الحكم المطلق لأحزابهم الشيعية؟ فمناطقهم ما زالت تلاقي الإهمال، ومستوى الخدمات فيها تحت الصفر، والأمّية تنتشر في وسطهم بشكل مخيف، وتُنهب ثروات مناطقهم النفطية والمعدنية من دون أن يستفيدوا منها شيئاً، والإنفلات الأمني وانتشار العصابات وانتشار المخدرات، حتى جعلوا من مناطقهم، ليس ممراً للمخدرات فقط، وإنما سوقاً لاستهلاكها، ووصل الأمر ببعضهم أن يترحموا على أيام صدّام عندما تتم مقارنتها بأيام حكام العراق الآن.
إنهم لم يستفيدوا مادياً كما أوهموهم، ولم تعرف مناطقهم الاستقرار كما كانوا يمنّونهم، وجعلوا من أبنائهم آلة للقتل، فعندما لا تجد الميليشيات من تقاتله، فإنها تتقاتل مع بعضها، كما يحصل في المعارك التي تدور بين العشائر الشيعية في البصرة وبين الميليشيات المختلفة في ديالى، وهذه الظاهرة سوف تتفاقم بعد نهاية الحرب على تنظيم “داعش”، حين يجد الآلاف من مسلحي “الحشد الشعبي” أنفسهم بلا وظيفة محدّدة، فهم يحملون السلاح ويمتلكون الخبرة القتالية، مما يتيح لهم استخدام مهاراتهم بالإستيلاء على الأموال والممتلكات بالقوة، أو تصفية الحسابات الشخصية والحزبية بينهم، خصوصاً مع تعدد الولاءات داخل تلك الميليشيات، والموزّعة بين قادة يحمل الكثير منهم عداوات مستحكمة لقادة آخرين.
عوني الكعكي