IMLebanon

الوقائع الطائفية العراقية والسورية واللبنانية واختلاطها

 

ليس صحيحاً ان الطوائف هي كتل ثابتة لا تتبدّل إلا في أوزانها العددية وانتشاراتها المكانية. ليس صحيحاً في المقابل أنه لما كانت تتبدّل في سنوات قليلة من حال الى حال، وتتغير أنماط الهوية والمعاش والتعبئة والتوزيع فيها أنّها نافلة، وغير موجودة، ولا تعبر عن جوهر الصراعات التي تعج بها في البلدان الثلاثة المعنية بضراوة المسألة الطائفية والمذهبية الآن: العراق وسوريا ولبنان. 

المكابرون أصناف. يرون الطائفية هنا لا يرونها هناك. يعتبرونها جوهراً هنا وبدعة عارضة هناك. مع ذلك، تنحو الأمور أكثر فأكثر إلى إظهار الطابع الهزلي للمكابرين على طائفية الصراع. هل ما زال هنا عاقل لا يعتبر النظام السوري نظاماً يتشكّل حول نواة عسكرية – حزبية ذات لون طائفي ومناطقي محدّد تتدرّج بعدها تراتبية التحدّر من هذه المنطقة أو تلك؟ هل ما زال هناك من يكابر على الطابع الفئوي مذهبياً وعرقياً لنظام صدّام حسين، بحجة الأيديولوجيا القومية، وهل ما زال هناك من يأكله وهم العراق الديموقراطي الليبرالي بعد الاحتلال الأميركي، فيما الواقع نظام هيمنة مذهبي ثأري، بدا في مرحلة اولى غيوراً على كيانيته بإزاء الايرانيين، ثم أسلم لهم الدفّة سياسياً وأمنياً؟ كل هذا لن ينال اعتراضاً جدياً من عاقل. الحال تصعب اكثر عندما يتعلّق الأمر بمسائل مكافحة الارهاب. هل تتعالى مكافحة الارهاب على طائفية ومذهبية الصراعات في البلدان الثلاثة، العراق وسوريا ولبنان؟ 

طبعاً يمكن استخدام الموشحات الأيديولوجية لتلبيس أي شيء. طائفية النظامين البعثيين نلبّسها وحدة وحرية واشتراكية. طائفية عراق ما بعد صدّام ديموقراطية وليبرالية ودولة قانون. وصحيح ان الصراع في لبنان استعر بين انصار خطين، استقلالي وممانع، لكنه كان ايضاً صراعاً له عمق مذهبي في السنوات الماضية، وعمق مذهبي يتصل بالصراع بين الجماعات اللبنانية منذ عقود من اجل الهيمنة. هنا أيضاً، المكابرة على طائفية الصراع، والايحاء بوطنيته الخالصة، لا تخدم لهذه الوطنية قضية. 

في الحرب الاهلية الدائرة في العراق حالياً، من الخطأ بمكان اختزال العرب السنة بتنظيم الدولة الاسلامية، لكن من الخطأ تصديق الحكومة العراقية والجيش والميليشيات الشيعية في «مكافحة الارهاب»، فهذه لا تكون بالتطهير الاثني. 

بهذا الميزان يفضّل وزن الأمور. الوقائع الطائفية تتبدّل من سنة الى أخرى، وليس فقط من حيث العدد والمساحة. لكنها في الوقت نفسه تحيك وتعجن وتصقل الوقائع الأخرى. وهناك في كل هذا معايير ملموسة يفضل الاقتداء بها: رفض تهجير الناس من ضيعهم، سواء كانوا على هذا المذهب او ذاك، بحجة ممانعاتية او ليبرالية. ولا حاجة للقول بأن حججاً كثيرة اصطنعت للتغطية على كوارث في العقد الماضي. 

وما يتّصل بمقاربة تخص الاقليم، ينطبق أيضاً على المجمّد والمستبعد من قضايا تتعلق بالشأن اللبناني، وفي طليعتها الشغور الرئاسي المستفحل. هنا ايضاً، لا يمكن التعامل مع الوقائع الطائفية والأحجام على انها جواهر ثابتة، ولا يمكن المكابرة عليها. الشغور لا يفسر فقط باختلاف العواصم الاقليمية، او بالمواجهة بين التيارات والزعامات السياسية. انه ايضاً يطرح نفسه من باب ازمة العلاقة بين الجماعات المكونة للبلد.