إذا كان الوضع في العراق يخرج ببطء شديد من الفوضى العارمة، فإن الوضع في سوريا يسير حتى الآن نحو المجهول، فضربات التحالف الجوية لمواقع تنظيم “داعش” حتى وإن أخرجته من هذه المواقع، فإن الضرر الاقتصادي والمالي يكون قد أصاب سوريا نفسها عندما تستهدف مصافي النفط والمصانع وبنى تحتية، وهذه ليست ملكاً لـ”داعش” بل ملك للسوريين، ولا أحد يعرف حتى الآن من هي القوات المعتدلة التي ستحلّ محل مقاتلي “داعش” فيها ومتى؟ فتدريب المعارضة المعتدلة في السعودية، كما تقرر، يحتاج الى وقت، وفي انتظار ذلك من يسد الفراغ الأمني الذي يخلّفه إخراج “داعش” من المناطق التي تسيطر عليها؟ أهي قوات النظام السوري وإن موقتاً أم يبقى الفراغ لتملأه الفوضى المتنقلة مع تنقل “داعش” من منطقة إلى أخرى، لا بل من دولة إلى أخرى لتجعل الفوضى العارمة شاملة؟
ثمة من يقول إن الرئيس بشار الأسد سوف يجد نفسه بعد ضرب تنظيم “داعش” أمام مشكلة اقتصادية ومالية أكثر منها أمنية، وهو ما يجعله يقبل بحلّ مؤتمر جنيف ولا يعود مرفوضاً منه كما من قبل فتصبح مهمة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أسهل من مهمة سلفه الأخضر الابرهيمي، والنظام في سوريا يبدو حتى الآن مطمئناً إلى أن ضربات التحالف الدولي الجوية لن تتناول قدرة هذا النظام العسكرية حتى وإن تناولت قدرته الاقتصادية بضرب المواقع التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” وملاحقته حيث يذهب، ويبقى صمود الأسد صالحاً ليكون شريكاً في حكومة وحدة وطنية مع المعارضة ويكون جزءاً من الحل وهو ما يجعل إيران وروسيا مطمئنتين أيضاً وإن استمرتا في التحذير من عواقب ضرب النظام السوري من دون استئذان لا حكومة سوريا ولا مجلس الأمن الدولي.
وثمة من يقول إن سوريا قد لا تبقى قادرة على أن تحكم نفسها بنفسها عندما تصبح مثل لبنان بعد حرب 15 سنة وقد تدمّر اقتصادياً وتشرذم سياسياً ومذهبياً، فكان لا بد من أن يحكم بوصاية سورية تعيد إليه الأمن والاستقرار وتوقف الاقتتال وتجعل عملية البناء والاعمار تبدأ. فهل تخضع سوريا لوصاية ايرانية موقتة توصلاً إلى إعادة بناء ما تهدم والتمهيد لإقامة حكم يمثل كل القوى السياسية الاساسية في البلاد كما في العراق، وتجرى انتخابات حرة نزيهة، أم أن هذه الوصاية تكون موضوع خلاف سوري وعربي وربما دولي فيصبح تقسيم سوريا أقاليم هو الحل الممكن او المتيسر باعتماد النظام الفيديرالي أو الكونفيديرالي؟
الواقع أنه لا بد من انتظار إعلان التحالف الدولي نتائج ما تحقق حتى الآن من تدخله الجوي لمعرفة ما إذا كانت ثمة حاجة إلى تدخل بري ومن ذا الذي يقوم به، هل تقوم به قوات سورية مختلطة من معارضة وموالاة تكون قادرة على وقف اطلاق النار ومباشرة البحث في حل سياسي مبني على مبادئ جنيف، التي تنقل صلاحيات الرئاسة الأولى الى حكومة وحدة وطنية تعيد الى سوريا الأمن والاستقرار لمباشرة بناء ما تهدم ووضع دستور جديد للبلاد وقانون تجرى الانتخابات النيابية على أساسه وينبثق منها مجلس نيابي ينتخب رئيساً للجمهورية؟
ويعتقد من يتوقعون ذلك أن التطورات الامنية والعسكرية والاقتصادية تجعل مواقف روسيا وإيران أكثر ليونة للقبول بحل سياسي لتفادي حل أسوأ أكان عسكرياً أم مزيداً من الدمار والخراب في ملاحقة مقاتلي تنظيم “داعش” من منطقة الى منطقة، كما يجعل موقف تركيا أكثر وضوحاً من خلال تعاطيها مع اقتراب “داعش” من كوباني الكردية المتاخمة لحدودها، حتى إذا ما توصلت إلى إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا فإن ذلك يشكل بداية حل لمشكلة اللاجئين السوريين إليها، وهو حل قد يعتمده لبنان أيضاً على حدوده مع سوريا.
إن الضربات الجوية سواء في العراق أو في سوريا لم تعطِ نتائج كافية حتى الآن. فإذا كان في العراق جيش يستطيع أن يحل محل قوات “داعش” في المناطق التي تخرج منها، فليس في سوريا مثل هذا الجيش، الأمر الذي يثير الشكوك حول حقيقة أهداف هذه الضربات الجوية إذا لم يواكبها تقدّم لقوات قادرة على الحلول محل “داعش”، وإلا كانت للضربات الجوية نتيجة واحدة هي التدمير وملاحقة “داعش” حيث يذهب حتى وإن أدى ذلك الى سقوط مدنيين قتلى وجرحى أكثر من سقوط مقاتلين لـ”داعش”.
وإذا كان قد تم شبه اتفاق في العراق، فلا اتفاق حتى الآن في سوريا لأن المسألة هي: هل يكون الأسد جزءاً من الحل أم يبقى جزءاً من المشكلة إن لم يكن كلها، كي تقرر تركيا ماذا تفعل؟