IMLebanon

حين ضلّ “الأهالي” الطريق

 

 

في الفقرة 15 من قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 2650 الذي جدد بموجبه لقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجنوب، في 31 آب الماضي، ولاية أخرى لسنة، تعداد لجزء من الحوادث المرتكبة ضد هذه القوات.

 

طالب مجلس الأمن الدولة اللبنانية «بإكمال التحقيقات في شأن الهجمات التي شُنت على القوة الموقتة وأفرادها». ويحدد القرار تفاصيل بعض هذه الهجمات وتواريخها نظراً إلى أن قيادة «اليونيفيل» وعدتها بإعطائها الأجوبة عن الاعتداءات التي تعرضت لها قواتها، «بهدف محاكمة مرتكبيها على وجه السرعة». كما يطلب مجلس الأمن إلى الأمين العام للمنظمة الدولية أن يقدم تقريراً إلى المجلس عن ذلك.

 

الحوادث التي ذكرها القرار الأخير هي غيض من فيض: في 4 آب 2018، 10 شباط 2020، 22 كانون الأول 2021، 4 و13، 25 كانون الثاني 2022 ، في منطقة عمليات «اليونيفيل».

 

اكتفى مجلس الأمن بذكر حوادث السنوات القليلة الماضية، من دون العودة إلى السنوات التي سبقت 2018، والتي تلقت قيادة القوات وعوداً من السلطات اللبنانية بالتحقيق فيها وإبلاغها بالنتائج أو القبض على مرتكبيها ومحاكمتهم.

 

بتلك الفقرة برر مجلس الأمن الفقرة التي تلي والتي تضمنت التعديل على نصوص القرارات السابقة والذي ينص على أن القوة المؤقتة «لا تحتاج إلى ترخيص أو إذن مسبق للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها وأنها مأذون لها بالاضطلاع بعملياتها بصورة مستقلة»… هي الفقرة التي أغضبت «حزب الله» الصيف الماضي، والذي اتهم قياديون فيه مجلس الأمن بتحويل «اليونيفيل» إلى قوة احتلال.

 

حين زار عدد من المسؤولين اللبنانيين مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة للتعزية بمقتل الجندي الإيرلندي شون رووني، كرر قائد القوات الجنرال أرولدو لاثارو أمام هؤلاء مطلب «التحقيق السريع والشفاف» في الحادث، مشيراً إلى السوابق عن استخفاف الجانب اللبناني بمحاسبة مرتكبيالاعتداءات، مستغرباً أن اعتداءً حصل على «اليونيفيل» في العام 1982 لم تصدر نتائج التحقيق في شأنه إلا قبل بضعة أشهر، أي بعد 40 سنة. لاثارو سأل المسؤولين اللبنانيين الذين زاروه جدلاً «إذا ضلّ الجنود الدوليون طريقهم كما يقال، هل يتم تصويب طريقهم بقتلهم أم يتم إبلاغهم بذلك حتى يغيروا الطريق…؟». والسؤال إشارة إلى تعمد القتل، وإلى العدائية التي يتصرف بها بعض «الأهالي» تجاه الجنود الدوليين، نتيجة التعبئة العمياء التي تُمارس ضدهم منذ سنوات، بالتحريض المتواصل عليهم على أنهم معادون ويعملون لمصلحة إسرائيل كما ظهر من تعليقات مناصري «حزب الله» على مواقع التواصل الاجتماعي فور وقوع الحادث مساء الأربعاء الماضي، لتبرير إطلاق النار على الجنود الإيرلنديين.

 

أسوأ ما في الحادثة الأخيرة أنّها موجهة ضد جنود إحدى الدول القليلة، الأوروبية، الأكثر تعاطفاً مع لبنان، ومع القضية الفلسطينية رسمياً وشعبياً، والتي تتميز بتوتر علاقاتها مع إسرائيل نتيجة موقفها التضامني هذا. وأكثر التعليقات التي شمتت بإيرلندا بعد الحادثة هي التي صدرت على مواقع التواصل في إسرائيل، والتي اتهمت الدولة الإيرلندية بالتحالف مع «الإرهاب الفلسطيني» و»إرهاب حزب الله». ولذلك، فإنّ من أراد أن يبعث برسالة إلى الدول الغربية عبر حادث القتل الذي حصل هو الذي «ضلّ» الطريق. فإيرلندا التي تنهي آخر هذا الشهر عضوية موقتة شغلتها لسنتين في مجلس الأمن، كانت خلالها الدولة الأولى التي بادرت إلى اقتراح تقديم مساعدات عينية للجيش اللبناني من أجل دعم صمود جنوده في الجنوب، بالوقود والغذاء ومواد صحية وأدوية وذخيرة، وعملت على تضمين القرارين الأخيرين للتجديد لـ»اليونيفيل» فقرة تحث الدول على تقديم تلك المساعدة، رغم اعتراض الصين ودول أخرى على ذلك، خشية أن يصبح الأمر سابقة تتذرع بها دول أخرى لطلب مساعدات مماثلة لاحقاً.

 

كما أنّ إيرلندا أقدم الدول المشاركة في قوات حفظ السلام في الجنوب منذ الاحتلال الإسرائيلي الأول عام 1978 وفقاً للقرار 425، ووحداتها هي أكثر الفرق العسكرية التي تساعد المجتمع المحلي في الجنوب عبر المساعدات والمشاريع الإنمائية…

 

وإيرلندا أكثر الدول الأوروبية اعتراضاً على نقل السفارات الغربية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، حين فعلت ذلك إدارة دونالد ترامب. وهي الدولة الأوروبية الأكثر استنكاراً للمجازر التي ترتكبها الدولة العبرية في القدس والضفة الغربية وغزة، بصوت عالٍ.

 

من المؤكد أنّ قتل الجندي الإيرلندي يكرس فقدان صدقية الدولة اللبنانية رغم وعدها بإجراء التحقيقات التي لم تصل إلى نتيجة بعد 3 أيام، ورغم سهولة معرفة الجناة، من بين «الأهالي». باتت الحادثة سبباً جوهرياً إضافياً لفقد الإيمان بتلك الصدقية بعد تلاشيها جراء النكوث بوعود الإصلاحات.

 

لكن الأدهى أنّ دولة كالهند، المشاركة في «اليونيفيل»، والعضو الموقت في مجلس الأمن، كانت حضّرت مشروع قرار يصدر عنه بإنزال عقوبات أممية في حق من يعتدون على قوات حفظ السلام الدولية أينما كانت. وقد يتم إحياء هذا المشروع.