Site icon IMLebanon

الحوار الحديدي… وتحييد لبنان

 

على رغم الاشتباك الإعلامي حول الملفات الاقليمية والتصعيد الاخير حول الحرب في اليمن، يبدو أنّ ثمة «معادلة حديدية»، لا تزال تحمي الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل»، وتمنع نقلَ الازمات الاقليمية الى لبنان وبالتالي تحافظ على الاستقرار القائم بلا اهتزازت تؤدي الى الانهيار.

في كلّ مرة يعلو سقف الخطاب السياسي، والتصعيد الاعلامي، عطفاً على الانقسام حيالَ الملفات الاقليمية. يعتقد اللبنانيون أنّ الحوار الدائر بين «الحزب» و«التيار الازرق» سينهار. لكن، سرعان ما تبادر الاطراف المعنية وفي مقدّمها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الاعلان أنّ هذا الحوار مستمرّ وقائم بصفته حاجة وطنية وإقليمية ملحّة.

الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله قال في إحدى اطلالاته إنّ الحوار ضرورة وطنية، ولاقاه في التوصيف الرئيس سعد الحريري عندما قال إنّ الحوار حاجة «استراتيجية».

هذا الكلام هو نقطة التقاطع بين «المستقبل» و«حزب الله»، ويعكس قراراً دولياً ـ اقليمياً يقضي بتحييد لبنان أمنياً وعسكرياً عن النيران المندلعة في الاقليم، وأبرز تعبير عن هذا القرار جاء على لسان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في قمة «شرم الشيخ» الاخيرة عندما قال «إنّ لبنان قدّم حالاً نموذجية في النأي عن نزاعات المنطقة».

لا شك في أنّ لطرفي الاشتباك الاقليمي مصلحة في عدم تفجير لبنان. «حزب الله» من ناحيته يخوض حرباً ضدّ الارهاب في سوريا، وليس من مصلحته الانزلاق الى «نزاعات جانبية» تشغله عن الاهداف الاساسية لقتاله الى جانب الدولة والشرعية في سوريا. اضافة الى أنّ الحزب دأب منذ زمن طويل على تجنّب ما يستنفر العصبيات المذهبية في لبنان قدر الامكان، وهو يرى أنّ الحوار من شأنه تخفيف التشنّج والمناخات المذهبية التي طغت على المشهد قبل سنوات.

تيار «المستقبل» من جهته يحتاج الى هذا الحوار. فتجربة الشراكة الحكومية برئاسة تمام سلام ضمنت له عودة قوية الى السلطة. وربما يكون التحاور والتفاهم مع الحزب مدخلاً مؤكَداً لعودة الحريري الى رئاسة الحكومة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية. والى ذلك يتناغم «المستقبل» مع قرار اميركي واضح بمكافحة «الارهاب» ومنعه من أن يقوى في لبنان. هذا التناغم له أبعاد سعودية ايضاً.

والقرار بتغطية معارك الجيش ضد الارهاب والخطة الامنية، منسجمٌ مع الرغبة الاميركية والحاجة السعودية بمنع سقوط مزيد من «المدن السنّية» بيد المتطرفين، لأنّ هذا يُعد خسارة في ميزان النفوذ بالنسبة الى الرياض التي لا تريد تكرار تجربة الموصل والشمال السوري في شمال لبنان.

التقاطع في المصالح والاولويات بين الطرفين هو ما حمى «الحوار» حتى الآن. وفي انتظار ترجمة ما يلوح في الافق من تسويات ربما تبدأ في اليمن، يحافظ اللبنانيون على انقسامهم السياسي لكن ضمن ضوابط وسقوف تمنع الانفجار والانهيار.

ثمّة مؤشرات الى احتمال الذهاب نحو تفاهم سياسي في اليمن، ومنها تعيين خالد البحاح نائباً لرئيس الجمهورية اليمنية، وقرار مجلس الامن الذي يفتح كوة في احتمالات التوافق واعادة تكوين السلطة، وبداية الكلام القطري عن أنّ «عاصفة الحزم» لن تغيّر شيئاً على الارض.

من شأن التفاهم حول اليمن أن ينعكس إيجاباً على الواقع السياسي في لبنان، وبالتالي يتقدّم الحديث عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية استناداً الى اجواء الحوار الداخلي والحراك الدولي ـ الاقليمي الذي يبدو مستعجلاً لوقف الحرب في اليمن، لمنع هذه الحرب من أن تكبر وتتمدّد لتحرق ما تبقى من المنطقة.

المؤشرات السياسية وحدها لا تكفي. المنطقة تحتاج الى قرار كبير يوقف انحدارها نحو الجحيم. والسباق محموم بين الذهاب الى حروب تتناسل وتتوالد ولا تنتهي، وبين الإقدام على تسويات تتخذ طابعاً تاريخياً توقف النزف المدمّر، وتؤسس لمرحلة مقبلة من التصالح والاستقرار.