تحت حجّة حماية المستهلك ومكافحة التهرّب الضريبي، يعتزم وزير الاتصالات جمال الجرّاح توقيع «عقد مجاني» مع شركة «Inmobiles» للمعلوماتيّة، لتزويد الوزارة بنظام معلوماتي مطوّر لتتبّع ما تعتبره «أجهزة الهواتف غير النظامية» وحظرها من الولوج إلى شبكتي الخلوي في لبنان. هذا العقد المجاني، بحسب وصف الجرّاح، يناقض الحجّة التي ارتكز عليها، كونه يحمّل المستهلك المزيد من الأعباء الماليّة والقانونيّة، كما أنه يسهم في تعزيز احتكار أصحاب الوكالات الحصريّة لتجارة أجهزة الهواتف الخلوية، ويسمح بجني أرباح إضافيّة غير مشروعة لمصلحة شركتي إدارة وتشغيل شبكتي الخلوي في لبنان، عبر سحب رسم شهري من رصيد المستهلك، تلقائياً، عند استعماله هاتفاً «غير نظامي»
في نهاية حزيران الحالي، من المتوقّع بدء العمل بنظام تتبّع “أجهزة الهواتف غير النظامية” وحظرها من الولوج إلى شبكتي الخلوي في لبنان المملوكتين من الدولة.
فقد أعلن وزير الاتصالات، جمال الجرّاح، نيّته التعاقد مع شركة «Inmobiles» لمدّ الوزارة بنظام معلوماتي وحلّ تقني، يساعدان في الحدّ مما تعتبره عمليّات تهريب أجهزة الهواتف الخلويّة إلى لبنان.
اتّكأ الوزير الجرّاح في قراره على المرسوم 9474 الصادر في 10/12/2012 في عهد الوزير نقولا الصحناوي، الذي حصر الولوج إلى الشبكتين الخلويتين بالهواتف والمعدّات التي يتمّ استيرادها بصورة قانونيّة، أي الأجهزة الجديدة غير المجمركة والأجهزة الجديدة التي تحمل IMEI مزوراً، بما في ذلك الاجهزة والمعدات التي تستخدم شرائح SIM Card مثل الـTablets والـRouters والـDongles. وكان قد عُلِّق العمل بهذا المرسوم، بموجب القرار 250/1 الصادر عن الوزير بطرس حرب في 28/4/2014، لاعتبارات وصفها حرب في حينها بـ«التقنيّة والسياحيّة، ولاكتناف هذه العمليّة على تلاعب في تسجيل الهواتف واستنسابيتها».
وجّه الوزير الجرّاح، في نهاية نيسان الماضي، رسالة إلى شركتي تشغيل شبكتي الخلوي في لبنان (ألفا وتاتش) يطلب فيها منهما «الاجتماع مع ممثلي شركة Inmobiles للاطلاع على جوانب الحلّ التقنيّ المقدّم لمكافحة تهريب أجهزة الهواتف الخلويّة، بما يسمح بزيادة إيرادات الخزينة من دون تكبيد الوزارة أو الشركتين المشغّلتين نفقات إضافيّة»، إضافة إلى «تطبيق بنود العقد مع الشركة لناحية إعطائها حقّ تقديم خدمات قيمة مضافة (VAS) لمشتركي الشركتين، على أن تقسم الرسوم والإيرادات المتأتية عنها بين الطرفين، ليصار إلى تركيب النظام الجديد في أسرع وقت ممكن، ليكون جاهزاً للعمل مع نهاية حزيران الحالي». وأرفق الوزير الجرّاح رسالته بتفاصيل العرض التقنيّ المقدّم من «Inmobiles»، الذي يقوم على تتبّع وتسجيل الرقم التسلسلي الخاصّ بكلّ جهاز مستورد أو ما يعرف بالـIMEI، «بعيداً من التعقيدات التي فرضها النظام القديم الذي لم يفِ بالغرض المطلوب منه، لكونه سيساهم في تسجيل الهواتف أوتوماتيكياً على النظام وفي قاعدة بيانات وزارة الاتصالات، إضافة إلى حظر دخول أي هاتف غير شرعي إلى الشبكة، وتتبّع الأجهزة غير الشرعيّة ومنعها من الولوج إلى الشبكة دون تكبيد الوزارة أيّ نفقات»، على أن يسمح لشركتي الخلوي «بالحصول على رسم تسجيل تستوفيه من المستهلك لتفعيل الهاتف غير الشرعي إلى حين دفع الرسوم الجمركيّة المترتّبة عليه، والسماح لشركة «Inmobiles» بتقديم خدمة «التأمين ضد سرقة الهاتف الاختياريّة مقابل بدل يتم تقاسمه بينها وبين المشغّل».
حاولت «الأخبار» التواصل مع وزير الاتصالات لكن من دون نتيجة، خصوصاً أن مصادر الوزارة أكّدت أن «عروضاً عدّة قدمت للوزير ومستشاره نبيل يموت من شركات أخرى، ومن ضمنها عرض مجانيّ أيضاً قدّمته شركة Invigo التي ركّبت النظام الموجود راهناً بهدف إدخال تطوير عليه، إلّا أن الوزير مصرّ على التعاقد مع الشركة المذكورة من دون إجراء أي مناقصة ومن دون أي استدراج عروض».
كيف يعمل النظام الجديد؟
في عام 2013، اشترت وزارة الاتصالات حلاً تقنياً من شركة «Invigo» بكلفة تخطّت مليون دولار أميركي، تمّ العمل فيه لمدّة تسعة أشهر إلى حين صدر قرار الوزير حرب القاضي بإيقاف العمل بموجب هذا النظام. تؤكّد مصادر الوزارة أن «الإدارة حينها طلبت حلاً تقنياً معقداً يصعّب إمكانيّات اختراقه ويحدّ من التهريب، وهو ما تحقّق فعلاً، بحيث جبت الخزينة خلال فترة تشغيله نحو 30 مليون دولار كرسوم جمركيّة، قبل أن توقفه». وكان الحلّ التقني الخاصّ بشركة «Invigo» يقضي بتسجيل الأرقام التسلسليّة الخاصّة بالهواتف في مصلحة الجمارك، فيدرج تلقائياً في النظام على أنه جهاز قانوني وشرعي، ويتمّ تعريفه على الشبكة. وعند استعماله من المستهلك، يربط الرقم التسلسلي الخاصّ بالهاتف برقم الخطّ الخاصّ بالمستهلك، بحيث يصعب ربط الرقم التسلسلي الواحد على أكثر من خطّ هاتفي لمكافحة القرصنة والتهريب والتزوير، وهو ما أدّى إلى تعقيد عمليّة استعمال الهاتف نفسه على خطّين خلويين، إلّا بعد إرسال رسالة نصيّة لتحرير العلاقة بين الخطّ والجهاز، ورسالة نصيّة ثانيّة لربط الجهاز بالخطّ الجديد. كذلك استحدثت مراكز بيع في مطار بيروت الدولي لربط هواتف القادمين المؤقتين إلى لبنان بالشبكة، دون تكبيدهم أي رسوم جمركيّة».
ينطوي هذا الإجراء على تعزيز الاحتكار بما يحدّ من المنافسة ويرفع الأسعار تلقائياً
لا يختلف النظام الجديد في جوهره عن السابق إلّا بتبسيطه إجراءات ربط الهاتف الشرعي بالشبكة أوتوماتيكياً، من دون الحاجة إلى إرسال رسائل نصيّة. يقول رئيس مجلس إدارة شركة «Inmobiles» شربل ليطاني إن «خدمة التأمين ضد السرقة التي ابتكرتها الشركة تؤمّن 80% من الحلّ التقنيّ المقدّم لتسجيل الأرقام التسلسليّة للهواتف، وذلك بعد ربطها بشبكتي الهاتف الخلوي، وقد طوّرناها لشبكها بمصلحة الجمارك ووزارة الاتصالات، لتقديم حلّ تقني متكامل». ويتابع ليطاني «رست الوزارة على العرض المقدّم من شركتنا كوننا نتحمّل كلفة الاستثمار والصيانة، مقابل حصولنا على رسوم في حال أراد المستخدمون الاستفادة من الخدمة الاختياريّة للتأمين ضدّ السرقة التي نقدّمها، والتي من المتوقّع أن نردّ كلفتنا خلال سنتين، علماً بأن تقديمنا الحلّ التقنيّ مجاناً نعتبره بمثابة تسويق لخدمتنا، قد يفتح لنا أسواقاً تجاريّة أخرى».
وبحسب ليطاني «هناك 3 أنواع من الهواتف التي يسبرها الحلّ التقني؛ أولاً الهواتف الموجودة في لبنان ذات الأرقام التسلسليّة المزوّرة وغير المرخصّة من هيئة GSMA التي تمثّل مصالح مشغلي شبكات الهاتف الخلوي في العالم، بحيث ستتيح لها الوزارة عبر شركتي تشغيل الخلوي إمكانيّة الربط بشبكتي الهاتف لمدّة 45 يوماً من تاريخ بدء تفعيل النظام، وذلك بهدف استبدال هواتفهم بأخرى شرعيّة وقانونيّة، وفي حال العكس، سيكون عليهم دفع رسم شهري تستوفيه شركتا الاتصالات (تقول مصادر الوزارة أنه يتراوح بين 2 و3 دولارات) لربط الهاتف بالشبكة، وذلك طوال فترة حياة الهاتف المقدّرة بسنة ونصف سنة، فيما لن يسمح للهواتف المزوّرة وغير المرخصّة من الـGSMA التي ستدخل إلى الأراضي اللبنانيّة بالربط على الشبكة. ثانياًَ الهواتف غير المجمركة، فإنها ستتوقّف عن العمل خلال يوم أو يومين من وضع الخطّ الهاتفي فيها، إلى حين دفع الرسوم الجمركيّة والضريبيّة المترتبة عليها (وهي عبارة عن 5% من ثمن الهاتف رسماً جمركياً، و10% ضريبة على القيمة المضافة). ثالثاً الهواتف الخاصّة بالسيّاح أو التي يشتريها أيّ مستخدم من الخارج للاستعمال الشخصي، فسيحصل على 90 يوماً مجانياً للربط بالشبكة، قبل إيقافها عن العمل إلى حين دفع الرسوم الجمركيّة المترتبة عليها».
المستهلك الحلقة الأضعف
ينطوي هذا الإجراء الجديد على تعزيز الاحتكار عبر تأمين حماية للوكالات الحصريّة في لبنان وضرب المستوردين الآخرين، بما يحدّ من المنافسة ويرفع الأسعار تلقائياً على المستهلكين. هذا ما يعبّر عنه وكيل «سامسونغ» في لبنان، إدي شرفان، بالإشارة إلى أن «هذا النظام الجديد مفيد لنا كمستوردين، كونه يحدّ من التهريب الذي يؤثّر على أعمالنا، إذ إن الهواتف غير المجمركة لن تربط بالشبكة، وتالياً سيتمّ تحميل شاري الجهاز غير الشرعي مسؤوليّة دفع رسومه الجمركيّة»،
ما يعني عملياً تطويع المستهلك وإجباره على شراء الهواتف من الوكلاء الحصريين لتفادي أي تعقيدات، إضافة إلى إعفاء «الدولة» من مسؤوليتها في مكافحة التهرّب الضريبي والجمركي، وتحميل المستهلك مسؤوليّة تقصيرها عبر فرض إجراءات ومعوّقات إضافيّة تكبّده الوقت والمال، كما فرض رسوم جمركيّة عليه بما يخالف القوانين المرعية. يقول رئيس جمعيّة حماية المستهلك زهير برو إن «هذه الإجراءات تنطوي على مخالفات فاضحة للقوانين اللبنانيّة، فهي تفرض على المستهلك الذي اشترى هاتفاً بهدف الاستعمال الشخصي من خارج لبنان، ودفع رسومه الجمركيّة، أن يدفع رسوماً جمركيّة مرّة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تكبيده الرسوم الجمركيّة للسلع الموجودة في السوق، والتي من المفترض أن يدفعها المستورد لا المستهلك، علماً بأن عمليّة بيع أي سلعة غير مجمركة هو ممنوع قانوناً، ويرتّب على الدولة تحمّل مسؤولياتها وضبط حدودها الجمركيّة، لا تكبيد المستهلك أعباءً إداريّة وماليّة إضافيّة». ويصف برو هذه الإجراءات بـ«المسخرة التي سنواجهها قانوناً في حال تطبيقها عبر رفع دعوى ضدّ الدولة اللبنانيّة ممثلة بوزارة الاتصالات، التي ستنفّذ هذه الآلية المبتكرة التي تكبّد المستهلك أعباءً ماليّة وقانونيّة غير محقّة، ووزارة الماليّة المسؤولة عبر مصلحة الجمارك عن ضبط الحدود والتهرّب الضريبي والجمركي».