Site icon IMLebanon

نماذج عن المخالفات في طرابلس وجوارها: مخاطر بيئية تهدّد الأمن الإجتماعي والمائي

 

 

شكّل التهجّم الذي وقع منذ أيّام على دوريّة للشرطة في بلدة كفرقاهل وتهديدها بـ»السرايا» (المقاومة) وتوجيه الشتائم الطائفية (إلى بكركي) والشخصية إلى عناصرها، نموذجاً عمّا وصلت إليه الأمور في استباحة الأملاك الخاصة والعامة، وفي استهداف هيبة الدولة وتحطيمها على أيدي من تحوّلوا قوى أمرٍ واقع، تحلّ محلّ قوى الأمن الداخلي، ليصبح محيطُ طرابلس وقلبُها مزدحماً بمخالفات تأخذ أشكالاً مختلفة، لكنّها تحضر في إطار مشهدٍ يـُؤذِن بسقوط القانون على مذبح «التشبيح» السياسي وتغوّل الفوضى في حياة اللبنانيين.

 

نقترب أكثر من طرابلس لنصطدم على تخومها لجهة القبة، في منطقة العيرونية، بمخالفات واسعة النطاق تزنّر خزّان المياه الأساس الذي يغذّي المدينة بالمياه، حيث قام عدد من المواطنين بالاستيلاء على أراضي الدولة وبناء سلسلة محلات عليها بطريقة غير شرعية بشكل ملاصق مباشرة لحاجز الجيش اللبناني، وقاموا بفتح مقهى صغير يتردد إليه أشخاص يثيرون الشبهات حول سلوكهم الشخصي والاجتماعي.

 

المواطنون الذين بنوا هذه المحلات إستغلوا إنشغال القوى الامنية بتأمين سلامة المواطنين ليلة رأس السنة، واستغلوا دعمهم من حركة «إسلامية ممانِعة»، واتجهوا لبناء محلاتهم بطريقة مخالفة وغير آمنة أيضاً، مما تسبب بتضييق الطريق التي تعتبر طريقاً عاماً اساسياً تربط طرابلس بقضاء زغرتا.

 

تكمن خطورة هذه المخالفات في أنّها لصيقة بحاجز الجيش اللبناني كما أنّها تهدّد سلامة الأمن المائي في طرابلس لأنّها تترك مياهها الآسنة منفلتة عند مضخات المياه وعند مُنشأة خزّان المياه، حيث تنتشر أيضاً النفايات بشكل واضح، بينما لا يُعرف مسار هذه المخالفات على مستوى الأمن والقضاء.

 

سألنا رئيس مصلحة مياه لبنان الشمالي المهندس خالد عبيد عن هذه المخالفات فقال إنّه يذكر حصول مخالفات تطال منشآت المؤسّسة في العيرونية، وأنّ هناك محلات جرى ختمها بالشمع الأحمر لأنّها قائمة على المُلك العام، لكنه لم يستطع أن يؤكّد أو ينفي استمرار وجود المخالفات في حرم خزان المياه، أم أنّها تقتصر على أملاك الدولة فقط، بينما تدور شبهات حول دفع رشاوى لغضّ النظر عن هذه المخالفات.

 

القائمون بهذه المخالفات يستظلون قوى سياسية تدور في فلك «الممانعة» والخطورة فيها أنّها لم تعد تقتصر على تحقيق المكاسب الشخصية، بل إنّها باتت تتعدّى ذلك إلى الأذى الجماعي واستهداف الأمن الصحي للمواطنين، كما هي الحال في محاصرة خزان المياه بعوامل التلويث الواضحة والفاضحة.

 

نستكمل الدخول في وسط طرابلس، لنرى المخالفات على أنواعها، فمنها استيلاء بعض المتنفذين على أملاك الأوقاف الإسلامية واستباحتها وبناء «المشاريع» عليها، كما نرى استباحة الشوارع بمخالفات الأكشاك النابتة كالفطر، وبالسيارات الصغيرة التي تتحوّل إلى «مقاهٍ» متنقِّلة، فضلاً عن البسطات، وما أدراكم ما البسطات، فهي تتكاثر وتنتشر بلا حسيب ولا رقيب، وخاصة جسر نهر أبو علي المسقوف، وهي هنا تحمل الأذى في الطرقات والمضاربة غير المشروعة على المحلات التجارية، واحتمال استخدامها من أشخاص خطرين أمنياً.

 

لهذه الفوضى أبعادٌ أمنية لا يمكن تجاهلها، فقد أصبحت الشوارع مزروعة بالمئات من مجهولي الهوية الذين يحضرون في شوارع طرابلس، وسبق أن تحوّلوا جزءاً من كوارث الاعتداء على المدينة من إحراق المصارف حتى إحراق البلدية، كما أنّ سهولة الحصول على الأسلحة الفردية يجدِّد القلق الشديد من مخاطر فوضى يبدو أنّها أصبحت منظمة وبات لها مستثمروها ومن يتولى تغطيتها ودعمها على حساب هيبة الدولة ومكانتها وحضورها.

 

هناك فلسفة وتبريرات لاستمرار البسطات والمخالفات على حالها، وهي اعتبار أنّ مرتكبيها يرتزقون منها، وهذه مغالطة كبيرة ينبغي التوقف عندها: وهي أنّ المخالفين يستولون على الملك العام ثمّ يحولون المخالفة الى استثمار يؤجّرونه على الأغلب لأشخاص من الجنسية السورية، وهذا لا يعود سعياً وراء الرزق، بل تشبيحاً واغتصاباً للملك العام ولحقوق الدولة ولحقّ التجار في عدم تعريضهم للمضاربة غير المشروعة على أبواب محلاتهم من قبل المخالفين الذين ينشرون بسطاتهم على مداخل المؤسسات التجارية، لتخسر المدينة عنصر الجذب الخارجيّ إليها، فضلاً عن أنّ التكسّب من الأرض المغتصبة مدان دينياً وأخلاقياً. تختنق طرابلس بحمّى المخالفات التي تتنوّع إلى حدود عجز الأجهزة المعنية عن وقف جريمة القتل بدخان إحراق الإطارات المنتشر في سقي طرابلس الغربي، فضلاً عن الاستمرار في المخالفة الأكبر وهي الاستمرار في استخدام مكبِّ النفايات بعد أن وصل إلى طاقة استيعابه القصوى…

 

جيّد أن يعلن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي القبض على المتهجّمين على قوى الأمن الداخلي في كفرقاهل فهذا أمرٌ مبشِّر بالخير، وبانتظار أن تبسط الدولة سلطتها وتزيل كلّ أشكال الاعتداء على القانون، تعيش المدينة أسوأ أحوالها بالمخالفات ذات الخطر الأمني والبيئي والاقتصادي.