لن تطول فترة الاستثمار السياسي والشعبي بين الاحزاب والقوى المسيحية لمعركة التمديد للمجلس النيابي، فلا ترجمة عملية قريبة لما انتجته هذه الجولة الجديدة من الصراع على المترددين «القلة» في هذا الشارع مع بقاء كل الحزبيين والمناصرين كل على موقفه من قائده وحزبه لانه هو دائما على حق. وفي المحصلة «الصورية»، تقول اوساط سياسية رفيعة في 8 آذار ربح «التيار الوطني الحر» ومعه الكتائب «اخلاقيا» فيما لم تعد «القوات اللبنانية» تكترث منذ زمن لنتائج معارك مماثلة لانها لن تضيف الى رصيدها الكثير مما لديها من ارث قديم وجديد لدورها الريادي في اجهاض كل المحاولات الآيلة لتعزيز الموقف المسيحي. وبعيدا عن المنحى الاخلاقي فان ثمة اسئلة ملحة تطرح نفسها اليوم حول تحديد المسؤوليات، ومستقبل العملية السياسية في البلاد بعد الخروج من شبح الفراغ الضاغط. فماذا بعد التمديد؟ وهل من مناخات جديدة ستسمح بانتخابات رئاسية في المقبل من الايام والاسابيع؟
وبحسب الاوساط، فان ما حصل في المجلس النيابي من تغطية قواتية للتمديد ثبّت التبعية القواتية المطلقة لـ «تيار المستقبل» وخياراته، ولم يعد الحديث عن شراكة ضمن 14آذار قابلاً «للهضم»، فالوقائع اثبتت ان «التيار الازرق» لا يكون متساهلا عندما يشعر انه «مزروك» في خياراته، وهو لا يقبل «الدلع» في مثل هكذا مواقف صعبة، هكذا استدعيت «القوات» و«الكتائب» الى السعودية، هناك سمعوا كلاما صارما حول ضرورة الالتزام بـ«قواعد اللعبة»، وكما في «العاب الصغار» قال النائب سامي الجميل لمن التقاهم هناك، الان دور «القوات» في «تجرع سم» التمديد، نحن قمنا بواجبنا في عملية تشكيل الحكومة وعليهم ان «يشيلوا عنّا كتف». وهكذا كان، لم يملك سمير جعجع اي خيار عندما عارض الحكومة «مشى» المستقبل من دونه بعد ان تأمنت التغطية المسيحية اللازمة، لم يكترث يومها لاعتراض «القوات»، اما اليوم فلم «يسمح» «للحكيم» بالتمرد لانه في ورطة بعد ان ذهب بعيدا في موقفه من رفض اجراء الانتخابات.
وبحسب تلك الاوساط، فان القوات اللبنانية وقبل ذهاب قائدها الى السعودية في رحلته الاخيرة، كانت تملك بين ايديها احصاءات وارقام تفيد بان موقفها الانتخابي سليم، ووفقا لقانون الستين المعتمد لن تحصل تغييرات جوهرية تقلب موازين القوى في المجلس النيابي الجديد، وكان «الحكيم» يراهن على اقناع الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري بتفويت الفرصة على الفريق الاخر، وعدم اهدائه «ارباحا مجانية»، وحاول اقناعه باهمية الانتخابات كونها ستكون «الضربة القاضية» «لاحلام» الجنرال عون الرئاسية، فبعد الانتخابات ستعيد النتائج انتاج مجلس نيابي بنسخة مطابقة عن الحالي، وعندها يمكن القول للجنرال «ان ما كنت تراهن عليه ذهب الى غير رجعة وهذا ما سيفتح الباب على ضغوط من حلفائه للقبول بتسوية رئاسية».
لكن المفاجأة جاءت من الحريري، تضيف الاوساط، الذي شرح لجعجع المصاعب الكبيرة التي يواجهها «تيار المستقبل» في بيئته السنية وخصوصا في مناطق الاطراف، وتحدث صراحة عن حالة من «الغليان» بين الجمهور الذي يتهم «التيار الازرق» بالتخاذل، وسط منافسة شديدة من قبل التيارات الاسلامية على وقع الازمات الامنية المفتوحة داخل البلاد وفي خارجه، وفهم «الحكيم» ان «التيار الازرق» غير مستعد لخوض مغامرة غير محسوبة النتائج في توقيت شديد السوء. وباختصار «المستقبل» غير جاهز ماليا ولوجستيا وسياسيا لخوض غمار الانتخابات، ولم يكن من خيار عند جعجع سوى الانصياع لرغبات الحريري وهواجسه.
طبعا لم يكن كلام زعيم «المستقبل» مختلفا عما سمعه «الحكيم» من المسؤولين السعوديين، مع بعض الاضافات الاقليمية المتعلقة بحرص المملكة على عدم المخاطرة بـ«الستاتيكو» القائم حاليا، وتاجيل اي استحقاق الى مرحلة لاحقة، اقله للاستفادة من المساعدات المالية للجيش اللبناني في مواجهة الحرب «الدعائية» لحزب الله بعدم وجود جيش قوي، و«من هنا الى سنتين وبضعة اشهر تكون الهبة قد اصبحت امرا واقعا ويمكن الاستثمار عليها، فلماذا الاستعجال»؟
في المقابل وعلى الضفة الاخرى، ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله علنا قبل ايام في ليلة العاشر من محرم، كان قد ابلغه مباشرة الى العماد ميشال عون، حزب الله مستعد لتبني اي خيار ما عدا ذهاب البلاد الى الفراغ، فعلى المستوى الانتخابي لا خشية ابدا من النتائج، والاستعدادات اللوجستية مؤمنة، اما الفراغ فيعني الفوضى، وهو ما لايريده الحزب بأي شكل من الاشكال، لكن لا ضير من ذهاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح في معركته في الشارع المسيحي الى نهايتها، فالافتراق هنا «موضعي» و«مرحلي» لن «يخلف في الود قضية»، وحتى رئيس المجلس نبيه بري يتفهم ضمنا موقف «الجنرال» ولا يضيره ان يكسب «حليف الحليف» في شارعه، طالما ان الميثاقية للتمديد قد تامنت، ولم تفسد «الطبخة».
لكن هل سيفتح التمديد للمجلس النيابي الابواب امام حل الازمات السياسية في البلاد»؟ ام ان عدم جراء الانتخابات النيابية وبقاء التوازنات الحالية على حالها يعيد الازمات وخصوصا الانتخابات الرئاسية الى «نقطة الصفر» وأجل غير معلوم؟
برأي تلك الاوساط، فان لا ترابط موضوعياً بين الاستحقاقين الرئاسي والنيابي، فاذا كانت حاجات «المستقبل» الداخلية قد حسمت ملف تأجيل الانتخابات النيابية، فان البعد الخارجي والاقليمي له «الكلمة الفصل» في الانتخابات الرئاسية، «فالكرة» اليوم في «ملعب» المملكة العربية السعودية التي تملك «مفتاح» «الحل والربط» في هذا الاستحقاق بعد ان صار معلوما أن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عطل الاتفاق على ترشيح الجنرال عون للرئاسة، ومنذ ذلك الحين بدّد «تيار المستقبل» فرصة مهمة تحريك عجلة الاستحقاق الرئاسي والخروج من حال الشغور، بعد ان استسلم للقرار السعودي وجعل البلاد مجددا اسيرة حال انتظار «الفرج» من الخارج.
وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان «الكرة» في «ملعب» الرياض لان طهران وقبلها السيد حسن نصرالله ارسلا اشارات «حسن نية» الى المملكة علّها تستجيب الى نداء «العقل» وتفتح ابواب الحوار الجدي حول الملفات الخلافية ومنها الاستحقاق الرئاسي اللبناني. فموقف علماء المنطقة الشرقية في السعودية بعد الهجوم الارهابي على مجلس العزاء العاشورائي في الاحساء، كان منضبطا الى ابعد الحدود، رغم هول الحدث ودمويته، وارتفاع عدد ضحاياه، والرياض تدرك ان هذا الموقف هو امتداد لرغبة ايرانية بعدم تخريب امن المملكة، وهي تدرك ان هكذا حدث كان يمكن ان يشعل انتفاضة شعبية عارمة لو كانت ايران تملك نوايا سيئة. اما السيد نصرالله فكان واضحا عندما دعا الى اعادة الملف الرئاسي الى الداخل اللبناني، وعدم الرهان على تبدلات وتغييرات في توازنات المحيط والخارج، وفتح «ابواب الحوار» مع تيار المستقبل، وهو تطور يمكن البناء عليه اذا ما تخلت السعودية عن «الفيتو» على «الجنرال» بعد ان ثبت السيد نصرالله ترشيحه علنا، ليس للمقايضة عليه، وانما للتأكيد على ان «الف باء الحوار» يبدأ وينتهي من هذا الاسم، الا اذا قرر الجنرال العكس. فهل تستجيب الرياض لسياسة «اليد الممدودة»؟ ام تستمر في رهاناتها الاقليمية الخاطئة التي ستنعكس سلبا على الساحة اللبنانية؟ مع العلم انه في اي تسوية لن ينتظر الحريري رفض او قبول «الحكيم» الذي سيكتفي بعقد مؤتمر صحافي يشرح فيه سبب مقاطعة كتلة القوات لجلسة الانتخابات الرئاسية.