«نحت» في.. النيات بين «التيار» و«القوات»
هل تحتمل طاقة الحوار الثنائي «مغامرة» الرئاسة؟
برغم ان اللقاء بين العماد ميشال عون وسمير جعجع لا يزال مؤجلا، وبرغم ان «إعلان النيات» لا يزال يتأرجح بين الرابية ومعراب.. إلا ان المواكبين لجلسات «المفاوضين» ابراهيم كنعان وملحم رياشي يؤكدون ان الحوار مستمر في وجهته الصحيحة، وإن يكن زخمه يتفاوت من حين الى آخر، تبعا للمرحلة التي يمر فيها.
بعد حادثة التسريب الملتبس لكلام النائبة ستريدا جعجع، عبر محطة «أو تي في»، أصيب الحوار بوعكة صحية موضعية. حينها، بقيت مسودة إعلان النيات «عالقة» في معراب مدة شهر ونصف الشهر تقريبا، بعدما قرر جعجع تجميد النقاش حولها، الى ان تعالج الرابية تداعيات مسألة التسريب وتتخذ التدابير المناسبة في شأنها.
وفي الانتظار، سافر جعجع وزوجته الى الخارج، حيث أمضيا فترة من الوقت، ساهمت في إطالة أمد الجمود الحواري.
لاحقا، ومع معالجة ذيول واقعة التسريب وإعادة تنقية الأجواء، وضع جعجع ملاحظاته على ورقة «إعلان النيات»، التي انتقلت مجددا الى الرابية، حيث تخضع منذ قرابة أسبوع الى مراجعة من قبل عون الذي يفترض ان يكون قد أنجز ملاحظاته خلال الساعات الماضية.
ويقلل المواكبون للنقاش العوني ـ القواتي من شأن استمرار الاخذ والرد حول «إعلان النيات»، معتبرين ان الجزء الأكبر منه قد نضج، وان البحث ينحصر حاليا في مساحة ضيقة تتعلق ببعض التعديلات المقترحة او ببعض الافكار الجديدة التي يولدها النقاش.
ويؤكد مصدر مسيحي مطلع على مناخ الجلسات الماراتونية ان الوقت الذي استغرقه البحث حتى الآن هو طبيعي، بل يُعد قصيرا إذا ما قورن بثلاثين سنة من العداوة المستحكمة، لافتا الانتباه الى ان الطرفين يسعيان الى تحقيق تقارب سياسي جوهري، لا مجرد تقارب لفظي يطفو على سطح القضايا الخلافية ولا يغوص في عمقها.
ويلفت المصدر الانتباه الى ان الامر يتعلق بالتوافق على مبادئ سياسية ووطنية، شديدة الاهمية، تطال قرابة 18عنوانا، وتمتد من الجمهورية الى رئاسة الجمهورية، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة، يمكن ان تبنى عليها لاحقا تفاهمات تفصيلية.
ويعتبر المصدر ان هناك إنجازات متفرقة تراكمت منذ بداية الاجتماعات بين كنعان ورياشي برعاية عون وجعجع، مشيرا الى ان هذه الانجازات تكاد ترقى الى مرتبة «العجائب السياسية»، قياسا الى طبيعة العلاقة المتدهورة التي كانت سائدة حتى الامس القريب بين «التيار» و «القوات».
ويرى المصدر المتحمس لخيار التلاقي بين «التيار» و «القوات» ان تهدئة الخطاب الاعلامي، ومبادرة محطة «أو تي في» الى نقل المؤتمرات الصحافية الاخيرة لجعجع مباشرة على الهواء، وتبادل إسقاط الدعاوى القضائية، والتبرؤ من كل موقف يحاول التشويش على الحوار، والاسترخاء الذي يسود القواعد الحزبية، وإسقاط مبدأ الفيتو القواتي على وصول العماد عون الى الرئاسة.. كلها أمور كانت تبدو مستحيلة قبل أسابيع قليلة، لكنها أصبحت الآن حقيقة ملموسة، من شأنها ان تعزز رصيد الصفحة الجديدة المفتوحة بين الجانبين.
وأكثر من ذلك، يعتبر المصدر ان الحوار قد يغدو خطرا على طرفيه، وتحديدا على عون وجعجع، في حال نجاحه وبلوغه مراحل متقدمة، مشيرا الى ان هناك، ربما، من لا يحتمل نجاح الحوار بين زعيمين مسيحيين أساسيين، لان نجاحه سيعني استعادة القرار وانتزاع المبادرة، الامر الذي قد لا يكون مسموحا.
ويكشف المصدر عن ان أحد قطبي الحوار تلقى مؤخرا إشارات حول ارتفاع منسوب التهديدات الأمنية المحدقة به، معربا عن اعتقاده بوجود رابط بين تصاعد التهديدات وتقدم الحوار الى الامام.
ولكن، هل يمكن ان ينتقل جعجع من مربع إسقاط مبدأ الفيتو على عون الى مربع دعم انتخابه رئيسا للجمهورية؟
صحيح ان الحوار بين القطبين، إذا تقدم، يستطيع ان يساهم في إنتاج بيئة مسيحية مؤاتية لانتخاب الرئيس، لكن الصحيح ايضا هو ان هذا الاستحقاق ليس شأنا مسيحيا فقط، بل لبناني واقليمي ودولي أيضا، وبالتالي فإن الرئيس المفترض يحتاج الى مصعد عابر لكل هذه الطوابق.
وهناك من يقول ان إنضاج اسم عون للرئاسة يخضع، تبعا للمعطيات الراهنة، الى العوامل الآتية:
ـ التئام اللقاء المباشر بين عون وبين جعجع، على قاعدة حد أدنى من التفاهمات السياسية.
ـ التفاهم بين جعجع و«المستقبل» على خيار عون.
ـ حاجة كل من جعجع وسعد الحريري الى تغطية سعودية للموافقة على اسم الجنرال.
ـ ارتباط الموقف السعودي من الاستحقاق الرئاسي بمسار الملفات الاقليمية الاخرى من سوريا الى اليمن مرورا بالعراق، وهي ملفات تملك ايران فيها الكثير من أوراق القوة.
ـ علاقة الحسابات السعودية ـ الايرانية في ما خص الملف الرئاسي بالاتجاه الذي سيسلكه التجاذب السني ـ الشيعي على مستوى المنطقة كلها.
وانطلاقا من هذه العوامل المتداخلة، يؤكد العارفون ان أي اتفاق على انتخاب الجنرال يتجاوز طاقة الحوار الثنائي مع «القوات».. إلا إذا امتلك هذا الحوار القدرة على تجاوز الخطوط الحمر والذهاب بعيدا في «المغامرة»، بمعزل عن الحلفاء والارتباطات.