كما في المجلس النيابي كذلك في الحكومة، مر قانون التمديد البرلماني من دون تداعيات غير منتظرة، سالكا مساره الزمني على مدى خمسة أيام قبل أن يصبح نافذا حكما الثلاثاء المقبل، مكرسا الستاتيكو القائم في البلد مطيلا أمده، ليدخل لبنان في مرحلة الإنتظار.
فعلى وقع الاعتراضات التقنية والمبدئية الآخذة في الانحسار، جاء التفهم الأممي والدولي للتمديد، ليعطي القوى السياسية التي حملت لواءه ، رغم عدم شعبيته، سندا معنويا على حدّ قول مصادر وزارية متابعة لأن الغاية منه هي منع الدولة من السقوط في الفراغ، بحسب ممثل الأمين العام للامم المتحدة ديريك بلامبلي. ما يعني عمليا ان منطق التسوية السياسية الكبيرة التي أمْلت التمديد طغى على كل ما تفرّعت عنه من اشتباكات سياسية وسجالات إعلامية وكلامية.
المصادر لم تستغرب تباعد المتقاربين وتقارب المتباعدين ،مع نجاح تيار المستقبل في اقناع القوات اللبنانية بأنه اذا كان التمديد للمجلس سيئا فإن الفراغ الذي يخطط له البعض اسوأ، في حين أصغى النائب سليمان فرنجية، رئيس كتلة المردة، الى نصيحة حزب الله بالتفرد عن كتلة العماد ميشال عون وتوسيع دائرة التغطية المسيحية لقانون التمديد كسرا لمقولة «الفراغ» المنسوبة لفريق 8 آذار، واظهار حزب الكتائب استقلالية قراره عن 14 آذار ومقاطعته جلسة التمديد، مشيرة الى ان تداعيات التمديد لم تتأخر في إثارة فرز من نوع جديد طاول الحلفاء داخل كل فريق، من خلال تقارب بين فرقاء وتباعد بين آخرين (غزل بين التيار العوني والكتائب، وتقارب بين القوات وفرنجية)،من جهة، واجتماع كتل كبيرة من 8 و14 آذار (المستقبل، التنمية والتحرير، حزب الله، القوات، كتلة جنبلاط، كتلة فرنجية، النواب المستقلين المسيحيين) شكل «بروفة» افتراضية لأي تسوية لاحقة ممكنة متى توافرت ظروف الانتخابات الرئاسية التوافقية،من جهة ثانية،كون المجلس النيابي الحالي هو الذي سينتخب الرئيس المقبل للجمهورية ،وليس اي مجلس آخر بناء على التوازنات القائم عليها والتي تتلاقى مصالح الافرقاء الاساسيين حولها.
قراءة تتقاطع مع رؤية اوساط سياسية في قوى 14 اذار التي اوضحت ان موقف العماد عون وتكتله من التمديد النيابي وضعه خارج الحلبة السياسية التي جمعت مختلف الاطياف باستثنائه وحزب الكتائب، وسألت اذا كان عون يعتبر ان المجلس النيابي الممدد له غير شرعي ولا دستوري، فان اعتباره هذا يضعه امام مسارين يتوجب عليه سلوكهما الاول استقالة نوابه من مؤسسة لا يراها دستورية والثاني سحب ترشحه لرئاسة الجمهورية ما دام مصدر شرعيته في حال انتخابه مطعونا فيه.
في مطلق الأحوال تقول المصادر الوزارية ان المشهد المسيحي المتوتر مقابل الارتياح الاسلامي العام، يُعتبر مؤشراً ذات دلالات مهمة على ترسيخ «الستاتيكو» التطبيعي للواقع السياسي والأمني الذي كانت محطة إحياء ذكرى عاشوراء من أبرز تجلياته. فالمرونة اللافتة في موقف «حزب الله» من تيار «المستقبل» اتخذت، مع التوافق العريض على التمديد، بُعداً اضافياً لجهة المضي نحو تسويات محتملة آتية في وقتٍ ما حول الملفات الكبرى الأخرى وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية، ما يفسّر التفهّم الخارجي لخطوة التمديد وعدم بروز مواقف غربية سلبية منه باستثناء بعض إشارات الأسف لتخطي أصولٍ ديموقراطية في احترام مواعيد الانتخابات.
توزعت أسباب التمديد بين الكتل إستنادا الى واقع لبناني بحسب المصادر، غير منفصل عن مرحلة الإنتظار التي تعيشها المنطقة. فكانت السنتان والسبعة أشهر القابلة للتخفيض في حال بت إنتخابات رئاسة الجمهورية، وإستيلاد قانون إنتخابي جديد، على وقع حرب التصريحات السياسية بين الرابية ومعراب بالإتجاهين، في سباق ماراتوني شعبوي على الساحة المسيحية، وسألت المصادر هل تنتظر القوى اللبنانية جلاء الصورة الإقليمية وإتضاح المشهد الدولي؟ وهل ينتظر اللبنانيون التسويات الخارجية؟ ماذا تغير بغياب الآخرين؟ هل يغير مشهد التمديد بالتحالفات، أم يقتصر الأمر على تقريب المسافات فينطلق الحوار؟ كيف سيتعامل التيار الأزرق حامل لواء التمديد مع تمرد حليفه حزب الكتائب؟ وماذا ستقبض القوات؟
كما سألت المصادر ماذا لو لاقى تيار المستقبل دعوة حزب الله الى الحوار منطلقا من «مبادرة « القوات الى حماية التمديد مستفيدا من واقعتي ، تبني الحزب ترشيح العماد عون مسقطا عنه صفة المرشح التوافقي، ما يمهد لاستبعاده مع الدكتور جعجع من السباق الرئاسي ، والاختلاط السياسي والطائفي الذي أمن التمديد للمجلس، والذي من خلاله يمكن إيصال رئيس جمهورية توافقي تتأمن ميثاقية انتخابه من الاختلاط النيابي نفسه. ويبقى السؤال من يضمن إجراء أي إنتخابات تشريعية أو إنتخاب رئيس للجمهورية في المستقبل؟