بعد مشاهدتي للمناورات الدبلوماسية للرئيس دونالد ترمب في سنغافورة الشهر الماضي، ورؤيتي له خلال فترة التحضير للقاءاته الأسبوع التالي في بروكسل وهلسنكي، وجدتني أتعجب مما إذا كان المحللون قد أخطأوا في فهمهم لأسلوبه التفاوضي بمقارنته بالشخصية التي عرضها في مذكراته التي كتبها عام 1987 والتي حملت عنوان «فن عقد الصفقات».
فالرئيس دونالد ترمب الذي نشاهده أكثر احتياجاً من المتمول الشاب الذي قفز ليعتلى قمة العالم. النسخة الحالية من ترمب ترى نفسها مديراً تنفيذياً، ليس لشركة تجارية منتعشة، بل لشركة باتت في الحضيض بسبب أفعال سابقيه. فبدلاً من احتضان الشركاء الأبديين في أوروبا، عبّر ترمب عن استيائه منهم ومن نجاحهم.
هذا هو ترمب يبحث عن أصدقاء ومستثمرين جدد. فهو يبدو جاهزاً لطي ما يعتبره ورقة خاسرة ليسحب بعض الأوراق الجديدة، أوراق تحمل صور زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والرئيس الصيني تشي جينبينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ربما أن الكتاب الذي يقرأه دونالد ترمب هذه الأيام هو ذلك الذي يضم مذكراته التي كتبها عام 1997 عن الحياة على شفا الإفلاس والذي حمل عنوان «فن العودة»، الذي بدا فيه مشاكساً.
وفي الكتاب الذي ألّفه، اعترف ترمب بأنه تعامل مع كبار رجال الأعمال الروس والصينيين وغيرهم ممن لديهم القدرة على توسيع نطاق أعماله.
وفي وصفه للفترة التي كان فيها على شفا الإفلاس عام 1990، قال ترمب، «كانت العقوبة قاسية عندما رأيت إمبراطوريتي تنهار من حولي، فقد جرحت ذاتي وكبريائي». فقد حذر ترمب دائنيه بأنه يستطيع أن يبقيهم على حالهم لسنوات إن أرادوا مقاضاته والسير في إجراءات إشهار إفلاسه.
وفي المقابل، عرض ترمب صفقة على البنوك، وهو أنه لو أنهم أقرضوه 65 مليون دولار إضافية، فسوف يرد الدين بالكامل. وافقوا، وعاد ترمب مجدداً ينعم بالرخاء خلال فترة الازدهار في تسعينات القرن الماضي.
فالصورة الكريمة التي رسمتها الولايات المتحدة لنفسها على مدار قرن كامل من الهيمنة العالمية لا يبدو أن لها صدى يُذكر عند ترمب. فهو يرى البلاد منهكة ومستهلكة، وتنزف مالياً بسبب حلفائها ومستقطبة من شركائها التجاريين.
من وجهة نظري، يسير تشاؤم ترمب عكس المزاج العام للولايات المتحدة، لكن قد يكون ذلك مفهوماً بالنسبة إلى رجل كان على وشك الإفلاس. والصورة الكئيبة قد حددت شكل رئاسته منذ أن تحدث عن «المذبحة الأميركية» في خطاب تنصيبه. وفي هذا المعنى قال ترمب: «ساهمنا في غنى الدول الأخرى، فيما تلاشت الثروة والقوى والثقة من بلادنا».
فقد استمر الرجل في ترديد أقواله بينما كان متجهاً إلى بروكسل، زاعماً أن الولايات المتحدة «تتعرض للابتزاز من قبل الاتحاد الأوروبي»، وأن الدعم الأميركي للناتو «يساعدهم أكثر مما يساعدنا».
كذلك فإن ترمب يستثمر في عدد من الأصدقاء الجدد ويعمل على التجاوز عن آثام الماضي لبناء حافظة مشاريع جديدة. وقد عبّر الرئيس عن تلك الأجندة النظيفة بقوله: «أعتقد أن الاتفاق مع روسيا ومع الصين أمر جيد»، مَن منا يعترض على ذلك، لكن ما التكلفة وما العائد من ذلك؟
إن دبلوماسية ترمب مع كيم هي الاختبار الأجدى لمعرفة إلى أين تتجه استراتيجية إعادة ترتيب أولوياته. لقد أراد ترمب النجاح في سنغافورة، ولذلك كان السلام باليد أو ما فعله على خلفية أعلام كوريا الشمالية والولايات المتحدة المطوية، فيما ترك المفاوضات الحقيقية بشأن نزع السلاح النووي لوزير الخارجية مايك بومبيو ليتولى شأنها.
احتل توبيخ كوريا الشمالية لوزير خارجية ترمب، بومبيو، والمطالب التي اعتبرتها «مطالب العصابات» بشأن نزع الأسلحة النووية عناوين الصحف الأسبوع الماضي. لكن ربما أن الجانب الواضح في تصريح وزارة خارجية كوريا الشمالية كان دعوة كوريا إلى تقديم التنازلات. وقبل أن تقدم بيونغ يانغ قائمة جرد الأسلحة لبدء نزع السلاح النووي، يبدو من الواضح أنها تريد إعلاناً رسمياً بنهاية الحرب الكورية.
وفي البيان الذي انتقدت فيه كوريا الشمالية المطالب الأميركية، أضاف الكوريون عبارةً لا تخلو من التملق تقول، «ما زلنا نثق بالرئيس ترمب»، فيما كان من الأحرى القول بأنهم يعرفون جيداً ذلك المحارب الجريح المتعطش لشركاء جدد.
– خدمة «واشنطن بوست»