ما الذي يمكن ان يحققه الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” وماذا يمكن أن يحققه الحوار بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”؟
تقول أوساط سياسية متابعة ومراقبة، إن كل ما يمكن أن يتحقق في الحوار السني – الشيعي هو تنفيس الاحتقان المذهبي الذي كان قد بلغ ذروته بفعل الحرب المذهبية الدائرة في سوريا وفي العراق وقد تأكد نجاح هذا الحوار بتنفيذ الخطة الأمنية في الشمال،”وفي العملية التي تمت في سجن رومية وتوقع النجاح أيضاً للخطة الأمنية في البقاع وربما في سائر المناطق بما فيها بيروت والضاحية. واذا تحقق كل ذلك فان الحوار يكون قد توصل الى تحقيق انجاز مهم يجعل الامن والاستقرار في البلاد ثابتين وهو ما يلتقي عليه جميع اللبنانيين لأن انهيار الأمن والاستقرار معناه انهيار الجمهورية وسقوط كل المؤسسات بما فيها مؤسسة الرئاسة.
أما الخلاف على السلاح خارج الدولة وعلى التدخل عسكرياً في الحرب السورية الى جانب طرف ضد طرف آخر من دون العودة الى مجلس الوزراء فيبقى في اطار ربط نزاع بين الفريقين وهو ما اعتمد عند تأليف حكومة الرئيس سلام. ولا حلّ لهذا النزاع إلا بقرار اقليمي وفي ضوء حل الأزمة السورية.
وفي ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، فان دور الحوار هو في التوصل الى اقناع “حزب الله” بضرورة حضور جلسات الانتخاب تأميناً للنصاب سواء بجعل حليفه عون يقتنع بذلك أم لا لأن مسؤولية ذلك تقع على المسلمين كما تقع على المسيحيين، وتحقيقاً لدعوة الجميع الى أن يكون الرئيس من صنع اللبنانيين وليس من صنع أي خارج، لأن استمرار تعطيل الجلسات يجعل الرئيس من صنع الخارج.
أما الخلاف بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” حول المشروع الايراني التوسعي في المنطقة، فلا بدّ من انتظار نتائج التطورات الجارية في المنطقة وإنعكاساتها السلبية أو الايجابية، اذ قد يصبح في الامكان البحث مجدداً في تحييد لبنان عن صراعات المحاور وكيف يكون تحييده على نحو يجمع عليه جميع اللبنانيين. وكذلك انتظار حكم المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه لمعرفة ماذا بعد.
وفي ما يتعلق بالحوار بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” فلا يتصل بموضوع الأمن والاستقرار كما هو بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” والتخوف من فتنة سنية – شيعية، انما يتصل الاتفاق على وضع أسس لجمهورية جديدة تكون عادلة بين الجميع بحيث لا يشعر أي مكون من مكوناتها بالغبن والحرمان. وأول ما ينبغي الاتفاق عليه لتحقيق ذلك هو وضع قانون للانتخابات النيابية يكون عادلاً ومتوازناً وكي يتم على اساسه اعادة تكوين السلطة المستقرة سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
الواقع أن ما يهم المسيحيين خصوصاً هو أن يؤدي الحوار بين عون وجعجع الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية استجابة لرغبة دول شقيقة وصديقة، لا بل استجابة لرغبة بكركي والفاتيكان وليس نزولاً عند رغبة أي خارج تحقيقاً لمصالحه… والاتفاق على انتخاب الرئيس لا يحتاج إلا لآلية تطبق الدستور، وهذه الآلية تكون بالاتفاق على مرشح للرئاسة واذا تعذر ذلك فالاتفاق على لائحة باسماء مرشحين يترك لمجلس النواب بالاقتراع السري اعلان فوز من ينال أصوات الأكثرية المطلوبة.
لكن ما لا جواب عليه في هذا الحوار هو: هل يتفق عون وجعجع على اعتماد سياسة الحياد للبنان بحيث لا يبقى الخلاف قائماً بين من هو مع المحور الايراني ومن هو ضده ويكون ذلك سبباً لاستمرار الخلاف السياسي بين الاقطاب الموارنة وقد يتحول خلافاً شخصياً يقضي على كل اتفاق يتم التوصل اليه. الا اذا تم الاتفاق بينهما كما صار بين تيار المستقبل وحزب الله على انتظار نتائج التطورات في المنطقة لمعرفة مصير الصراع بين المحاور توصلاً الى اتخاذ موقف من نتائجه. وما يهم المسيحيين أيضاً هو أن اتفاق عون وجعجع على تحييد لبنان لأن الخلاف هو بين السير مع المحور الايراني والمحور المناهض له، خصوصاً أن تحييد لبنان يؤيده تيار “المستقبل” وقد تمت الموافقة عليه في جلسة هيئة الحوار الوطني التي انعقدت في القصر الجمهوري وعرف باعلان بعبدا، وقد خرج منه “حزب الله” بطلب ايراني لأن الوضع العسكري في سوريا لم يكن لمصلحة نظام الأسد. فمن المهم اذا ان يؤدي الحوار المرتقب بين جعجع وعون الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية يعمل على تحييد لبنان وفقاً لصيغة يتم الاتفاق عليها بين الجميع. وقد يكون “حزب الله” اصبح في وضع القادر على اتخاذ موقف نهائي عندما تكون صورة الوضع في المنطقة ولاسيما في سوريا أصبحت واضحة، بحيث يمكن القول أن الحوار السني – الشيعي رسخ الامن والاستقرار وازال اسباب الفتنة ومهد الطريق لانتخاب رئيس للجمهورية بتأمين النصاب، ويكون الحوار بين عون وجعجع أخرج لبنان من صراعات المحاور وجمعهما حول تحييد لبنان وهو ما يسهل الاتفاق على انتخاب رئيس لا خلاف على سياسته وبرنامجه، وكل اتفاق بينهما على غير ذلك يبقى اتفاقاً هشّاً.