عشية انعقاد جلسة الحوار في ساحة النجمة، يبدو ان اموراً كثيرة تغيرت في مهلة الايام السبعة منذ الجلسة الاخيرة. المفارقة الاولى تتجلى في غياب المظاهرات هذه المرة، الا في حال استجد طارئ او كان هناك من قطبة مخفية او مفاجئة يعدها اصحاب الحراك، والثانية في عودة العماد عون عن قراره بالانسحاب من الحوار، على حد قول مصادر متابعة، الذي كان لافتا عدم تطرقه اليه في كلمته خلال احتفال تجديد ميثاق «التيار»، كما كان مقررا، في انتظار ما ستؤول اليه الاتصالات الجارية، والتي تذهب نحو عدم مقاطعة الحوار، حيث سيستمر «التيار» في حضور الجلسات، على ان يبقى خيار النزول الشخصي او الاستمرار في تفويض وزير الخارجية جبران باسيل، مسألة قيد البحث.
ومع توجه طلائع الوفد اللبناني والمفرزة السباقة للرئيس سلام الى نيويورك لاعداد الملفات الخاصة بالمشاركة اللبنانية في دورة الامم المتحدة ومؤتمر مجموعة الدعم الدولي للبنان، وفيما زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان قائمة ويجري الاعداد لها من دون ان يتم حتى الساعة تحديد موعدها او برنامجها، بحسب مصادر السراي، التي ترجح ان تحدد لقاءاته على هامش زيارة نيويورك الموعد، على ان يتم الاعلان عنه فور نضوج ظروف الزيارة، اكدت مصادر دبلوماسية في بيروت ان ضغطا كبيرا يمارس على السياسيين في لبنان من اجل الاتفاق على شخصية وفاقية للرئاسة وانتخابها سريعا، محذرين من ان استمرار الفراغ في ضوء حراك الشارع الذي يوظف من اكثر من جهة سياسية، بات يشكل خطرا على الوضع العام من مختلف جوانبه، مشيرة الى انه بات يخدم جهات سياسية معينة حملت المنظمين والمشرفين عليه على اعادة النظر في اهدافه ومحاولة تشذيبه، خصوصا ان بعض الشعارات الذي رفع اخيرا اظهر تصويبا على فئة سياسية محددة، تمثلت بالرئيسين بري وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.
على وقع كل ذلك تنعقد طاولة الحوار في جلستها الثالثة، فيما كثفت قوى الرابع عشر من آذار من اجتماعاتها ، تحضيرا لورقتها الموحدة حول سبل الخروج من المازق الرئاسي، استجابة لطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة المقاربة «الخطّية» التي طلبها، ذكرت مصادرها بأنها ستذهب بموقف موحد الى الجلسة الجديدة حيث سيكون هناك تقاسم ادوار ومداخلات لكل اطرافها متممة لبعضها البعض، مرتكزة الى تصور مشترك قوامه العودة الى الدستور ومنطوقه لجهة ضرورة مشاركة النواب في جلسات الانتخاب، مؤكدة ان «كل قوى «14 آذار» مُقتنعة بانها الطريقة المُثلى للوقوف في وجه «الهجمة» الخارجة عن المألوف التي ظهرت في احتفال «التيار الوطني الحر»، موضحة ان «الردّ سيكون بالعمل وليس بالكلام والخطابات والمزايدات، معيدة التاكيد على انها لن ترضى بالانتقال الى اي بند آخر قبل بت البند الاول المتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، كاشفة انها لا تعول كثيرا على النتائج اذ ان كل الاجواء توحي بان ما يجري لا يعدو كونه «طبخة بحص» لملء الوقت الضائع.
في الموازاة، تسارعت وتيرة الاتصالات بين مكونات الثامن من اذار التي اعتمدت اسلوب الهجوم عشية الجلسة الحوارية، مصعدة في لهجتها، والتي تظهرت في خطابات وتصاريح مسؤولي الوطني الحر وحزب الله الذين ضمنوا كلماتهم في اليومين الماضيين مواقف عالية السقف، يفترض ان تتوجها اطلالة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء الجمعة في برنامج تلفزيوني عبر شاشة المنار. تصعيد اقرت مصادر مقربة من 8 آذارانه من باب «لوازم الحوار» الذي يدرك الجميع ان لا مصلحة لاحد بفرط عقده حاليا، مشيرة الى دخول الحزب على خط الضغوط الممارسة لتمرير الترقيات عبر النائب وليد جنبلاط، الذي اوفد خلال الساعات الماضية وزير الصحة وائل ابو فاعولر الى اليرزة حيث التقى قائد الجيش وبحث معه الامر، على ان تشهد الساعات القادمة تفعيلا للاتصالات مع رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان في نفس الاتجاه.
واذا كان احتفال التسلم والتسليم بين «العم والصهر» لم يحمل اي مفاجآت لناحية المضمون، حيث لم تطلق خلاله مواقف سياسية نوعية، باستثناء الدعوة للتظاهر امام القصر الجمهوري في 11 تشرين الاول، والتي وضعها الكثيرون في خانة الضغط من اجل تمرير مسألة الترقيات بحسب المصادر، فان مفارقات عديدة في الشكل استوقفت المراقبين، ومنها حضور السفير الإيراني محمد فتحعلي الذي استقبل بموجة من التصفيق الحار، مقابل غياب السفير السوري علي عبد الكريم علي بعدما تردد حضوره.
فالعماد عون والذي كان قررعدم المشاركة الشخصية في الجلسة الثانية منتدبا رئيس حزبه لتمثيله، وفيما سربت اوساط التيار الوطني الحر ان الرابية تدرس جديا امكانية الانسحاب من الحوار، بعدما لمست عدم جدية في مقاربة صحيحة للمواضيع للوصول الى حلول جدية للازمات، وهو بطبيعة الحال ما تراهن عليه بعض القوى السياسية لاحراج عون وبالتالي اخراجه، اشارت مصادر الى ان احتفال «بلاتينوم» اعاد خلط اوراق الجنرال، الذي راى في الحضور الدبلوماسي الايراني،رسالة واضحة الى الجميع، وصلت من المكان المناسب في الزمن المناسب،بحسب الرابع عشر من آذار، دعما ايرانيا واضحا لتموضع «التيار» الوطني حاليا من جهة، وتبنيا مباشرا لترشيح العماد عون الرئاسي ورهانا على وصوله الى بعبدا كونه يمثل نهج «الممانعة» في المنطقة.
من هنا فان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير سيذهب الى جلسات الحوار ايا كان مستوى تمثيله متكئا الى المعادلة الجديدة على حد قول المصادر، بدليل انه عدّل من موقفه بتعليق المشاركة في حوار ساحة النجمة، بعد اتصالات داخل فريق الثامن من اذار صونا للحوار وحرصا على عدم تسديد ضربة من «اهل البيت الواحد» لمبادرة بري، قادها حزب الله، لاسباب عدة منها أن الحوار أطلقه الرئيس بري «الحليف»، ولا يمكن افشاله لان في ذلك ضربة لفريق الثامن من آذار، كما انه يشكل حاجة للحزب، وان لم يؤدِّ الى نتائج ملموسة، فانه على غرار الحوار القائم مع «المستقبل» ، يساهم في تنفيس الاحتقانات وتهدئة النفوس وترطيب الاجواء على الساحة المحلية بالحد الادنى، وهو ما يناسب الحزب.