يقول نائب شارك في اجتماعات الطائف التي انتهت الى اتفاق أصبح دستوراً للبنان، لو أن الجميع تقيّدوا بنصوصه واحتكموا اليه عند اي خلاف، لما كان لبنان يشهد ازمة انتخابات نيابية ولا ازمة تشكيل حكومات ولا ازمة انتخاب رئيس للجمهورية، انما لجأ بعضهم الى تفسير بعض نصوصه على هواه، او الى مخالفة هذه النصوص، او اعتماد “عُرف” بديل منها يتبدل مع تبدل الاشخاص والغايات. فتشكيل الحكومة يتولاه الرئيس المكلف بعد استشارات يجريها رئيس الجمهورية لتسميته ويصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيلها. لكن ما يحصل، خصوصا في السنوات الاخيرة، ان رؤساء الاحزاب والكتل النيابية هم الذين يتولون تشكيل الحكومة بتسمية اسماء الوزراء والحقائب لكل منهم، حتى اذا لم يوافق عليها الرئيس المكلف او رئيس الجمهورية امتنع بعض هذه الاحزاب والكتل عن الاشتراك فيها بغية إحداث أزمة وزارية لا خروج منها الا بتسوية… وتكثر التفسيرات من جهة اخرى لما نص عليه الدستور في ما يتعلق بقانون الانتخاب. فالمادة 24 تنص: “يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفقا لقوانين الانتخاب المرعية الاجراء، والى ان يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقاً للقواعد الآتية: بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين ونسبياً بين المناطق. ويحدد قانون الانتخاب دقائق تطبيق هذه المادة”.
وجاء في اتفاق الطائف “ان الانتخابات النيابية تجرى وفقا لقانون انتخاب جديد على اساس المحافظة يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين ويؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب واجياله وفعالية ذلك التمثيل بعد اعادة النظر في التقسيم الاداري في اطار وحدة الارض والشعب والمؤسسات”. وقد اختلفت تفسيرات هذه المادة بين من يرى المحافظة اساسا للانتخابات، ومن يرى ان اعادة النظر فيها وتقسيمها دوائر هي التي تحقق التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب، فوضعت قوانين على اساس دوائر مختلفة الحجم كان آخرها قانون الستين كما صار تعديله في الدوحة. وتكثر الآن مشاريع القوانين المقترحة التي تعتمد النسبية في دوائر والاكثرية في دوائر بحيث بلغ الحرص على تحقيق التمثيل الصحيح حد اقتراح مشروع ارثوذكسي، ولم يتم التوصل حتى الآن الى اعتماد اي من هذه المشاريع لأن كل طرف يريد ان يكون على قياسه وليس على قياس الوطن وان يضمن له الفوز بأكثرية المقاعد النيابية فيكون له الحكم وحده بموجب هذه الاكثرية التي يصبح تطبيقها مقبولا وإنْ في ظل الطائفية التي تفرض في رأي طرف آخر اعتماد الديموقراطية التوافقية.
ومن الطبيعي ان يهتم الزعماء بشكل قانون الانتخابات النيابية لأن على نتائجه يقوم حكم جديد او يعاد به تكوين السلطة. وقد أدى خلافهم على هذا القانون الى التمديد مرة اولى ومرة ثانية لمجلس النواب، وبات يخشى ان يصبح اجراء الانتخابات النيابية في لبنان مشكلة ما دام الخلاف قائما على هذا القانون وكل طرف يشد به الى ناحيته…
اما الانتخابات الرئاسية فإنها تشهد للمرة الأولى ازمة لم تشهدها من قبل بسبب بدعة تغيّب النواب من دون عذر شرعي عن جلسات الانتخاب وخلافا لما نص عليه الدستور في المادة 74.
وهذا يعني ان الدستور اعطى الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية قبل أي عمل آخر.
لكن نواباً اعطوا لأنفسهم حق التغيب عن جلسات انتخاب رئيس للجمهورية معتبرين ذلك من حقهم الديموقراطي… في حين ان هذا التغيب اذا جاز في جلسات مخصصة لدرس مشاريع عادية لا تعنيهم، فلا يجوز ابدا في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لأن المؤسسات والسلطات لا تسير بانتظام في غياب رئيس الدولة الذي هو في الواقع رئيس كل السلطات.
أما بدعة حصر الترشح للرئاسة الأولى باثنين فقط، التي طلع بها العماد ميشال عون، فتتنافى ونص الدستور (المواد 73 و74 و75)، ناسيا او متناسيا ان الانتخابات الرئاسية ليست مثل الانتخابات النيابية تفرض التقدم بترشيحات بحيث ان في استطاعة الاكثرية النيابية اذا شاءت انتخاب شخصية غير مرشحة لرئاسة الجمهورية وعدم تقيدها بانتخاب مرشحين معيّنين صار الاتفاق عليهم خارج المجلس. وقد تكون الايجابية الوحيدة في اقتراح عون هي في انها قد تشكل مخرجا لأزمة النصاب بحيث يلتئم مجلس النواب لانتخاب عون او الدكتور سمير جعجع، كما يقترح، فتكون المفاجأة انتخاب مرشح آخر معلن او غير معلن. فهل يقبل “التيار الوطني الحر” الاحتكام في الخلاف على رئاسة الجمهورية الى مجلس النواب ام الى تسويات تتم خارجه بعيدا من الديموقراطية ومن عملية الاقتراع السري كما نص الدستور؟