لم يحمل اليوم الثالث لاستقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة جديداً، سوى اتفاق الافرقاء السياسيين في غالبيتهم الساحقة على ان هذه الاستقالة فاجأت الجميع من دون استثناء، وأنها كانت بمثابة «زلزال سياسي»، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، أحدث قلقاً غير مسبوق في لبنان، خصوصاً وأن العامل الخارجي في ذلك بات جلياً وواضحاً، وهو يحاول ان يفرض شروطه وتصوراته للمرحلة المقبلة في بلد امتاز عن سائر دول الجوار بالاستقرار الأمني اللافت، وتحديداً بعد نجاح الجيش، مدعوماً بقرار حكومي، في عملية «فجر الجرود» واقتلاع الجماعات الارهابية من الأراضي اللبنانية، كما ونجاح القوى الأمنية كافة في اقتلاع «الخلايا النائمة» وتوفير الحد الكبير من الامن والاستقرار..
بصرف النظر عما اذا كان توقيت الاستقالة سليما أم لا.. وبصرف النظر عما يحكى من روايات حول هذه الاستقالة، فإن لبنان اليوم في وضع حرج للغاية، وقد يكون من المبالغة القول، «بأن ما بعد الاستقالة لن يكون بالضرورة كما قبلها..» خصوصاً وان بندين رئيسين تصدرا بيان الاستقالة: «ايران التي لا تحل في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب..» و»حزب الله» الذي وصف بأنه «الذراع الايراني، ليس في لبنان فحسب، بل وفي البلدان العربية..».
الوضع في العالم العربي ليس في حال سليمة، وهو يعيش ظروفاً استثنائية الامر الذي يعيد كرة مسؤولية الخروج من هذا المأزق، الى ملعب الافرقاء اللبنانيين أنفسهم بدليل ما نقل على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه الرئيس نبيه بري، في شرم الشيخ أول من أمس، حيث أكد على «أهمية التوفيق بين مختلف القوى السياسية اللبنانية واعلاء المصلحة الوطنية وتحقيق الاستقرار السياسي» وفق ثلاثة قواعد:
1- تجنب جميع اشكال التوتر والتطرف المذهبي والديني..
2- رفض مساعي التدخل في الشؤون الداخلية للبنان..
3- ان اللبنانيين فقط هم المعنيون بالتوصل الى الصيغة السياسية التي يرفضونها وتحقق مصالح الشعب اللبناني، والتي يجب ان تحتل الأولوية القصوى..
في قناعة عديدين، ان البديل راهناً عن الرئيس سعد الحريري على رأس أي حكومة جديدة مفترضة هو شبه مستحيل بل مستحيل، من دون تداعيات لا يحتملها لبنان.. وأن الفراغ الحكومي سيبقى الى أجل غير محدود سيد الموقف، وحكومة تصريف الأعمال ستكون الصفة الملازمة لحكومة «استعادة الثقة» برئاسة الرئيس الحريري، التي يقر الجميع بأنها حققت انجازات بالغة الأهمية في مدة زمنية وجيزة، وعلى المستويات الادارية والتشريعية والامنية والسياسية والمالية كافة، من دون ادارة الظهر للخلايا الارهابية النائمة التي جرى القضاء عليها.. واقتلاع الجماعات الإرهابية من الجرود الشرقية بقرار حكومي وتنفيذ حرفي عالي المستوى من الجيش اللبناني.
في العديد من المواقف والمناسبات، لم يتوان الرئيس الحريري لحظة عن الدعوة لوقف الجدالات السياسية، ووضع المسائل الخلافية جانباً.. وهو تحرك في العديد من دول الخارج من أجل تحييد لبنان عن «العقوبات الاميركية» وغير الاميركية التي استهدفت «حزب الله» ملتزماً ما ورد في نص البيان الوزاري، لجهة «النأي بالنفس» عما يجري في المنطقة والمحاور.. خصوصاً أكثر، ان لبنان، على أبواب الانتخابات النيابية وفق قانون الانتخاب الجديد الذي أقرته الحكومة بالاجماع واللبنانيون، في غالبيتهم الساحقة يتطلعون الى أحداث تغييرات في البنية الحاكمة.
ليس من شك في ان المسألة – على ما يبدو – أكثر تعقيداً مما كان يتخيلها البعض، وليس بين أيدي المسؤولين أية ضمانات توفر انتقالاً دستورياً – قانونياً ناعماً وسليماً الأمر الذي يستدعي جملة خطوات، في نظر البعض، من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- اعلان رئيس الجمهورية رفض استقالة الرئيس الحريري.. ودعوته الى العودة سريعاً الى البلد للوقوف على كامل حيثيات وأسباب الاستقالة «ليبنى على الشيء مقتضاه..» مع التشديد على بقائه في رئاسة الحكومة، وإنجاز الاستحقاق النيابي..
2- الدعوة الى احياء طاولة الحوار الوطني في القصر الجمهوري في بعبدا وعلى جدول الأعمال بند «النقاط الخلافية..».
3- توسيع رقعة التشاور، خصوصاً «وأن في البلد دستور» و»ميثاق وطني» وقوانين تبدد ظلمة المخالفة لنصه وروحه ولميزة لبنان في تعدديته السياسية والادارية، على ما قال البطريرك الراعي في عظة أول من أمس الاحد، «فلا يجره أي فريق الى حيث لا يريد سواه ولا تحكم البلد بالمحاصصة والاستئثار والاقصاء من قبل نافذين، ولا تسلم السيادة السياسية، اذا كان ولاء فريق لبلد خارجي، وفريق ثان لبلد آخر على حساب لبنان..».
بعد طلة الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، ليل أول أمس، والتي وصفت «بالهادئة» و»العقلانية»، فإن تجاوب الافرقاء السياسيين كافة مع دعوة الرئيس عون، والرئيس نبيه بري الى «التهدئة» و»ضبط النفس» أمر بالغ الأهمية، بل ومفصلي.. و»التروي في اتخاذ القرارات وتجنيب البلاد أية أزمة سياسية او أمنية تأتي من النزاعات والحروب الدائرة في المنطقة.. وصراع المحاور، ينبغي ان تكون المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار..» وهو امتحان جدارة، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فليس بالضرورة ان يكون لبنان ساحة لأي مخططات تخريبية تهدف الى ضرب استقراره ووحدته الوطنية، لا يكون الرابح فيها سوى «إسرائيل» والجميع خاسرون..»؟!