IMLebanon

مأسسة التيار البرتقالي: هل يفعلها العونيون أخيراً؟

بين عامي 2006 و2009، كانت مأسسة التيار الوطني الحر أهم ما يشغل البيت الداخلي العوني. بلغ النقاش ذروته في «الثلاثاء الأسود» الذي هدّ معنويات الناشطين وأحبطهم، فشُغلوا بجوائز الترضية: مقاعد نيابية، مستشارين، وظائف قيّمة وغيره… إلا أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون تقدم أخيراً إلى الأمام، والتفّ على لامبالاة الأقربين والأبعدين بحزبه من بعده

حين يؤتى على ذكر مأسسة التيار الوطني الحر، لا يكون القصد أبداً إنشاء حزب بالمعنى التقليدي للكلمة. لا أحد يتوقع تنظيم العونيين «حلقات إذاعية» لقبول انتسابهم في حزب التيار الوطني الحر، ولا أحد يطلب عقد اجتماعات مسائية يومية لبحث العقيدة ونشرها. يعرف كل من يبحث في شؤون التيار أن شخص العماد ميشال عون هو أساس حالته الشعبية التي تتآلف فيها خلفيات مختلفة (أو حتى متناقضة).

ولم يكن مطلوباً، بالتالي، أكثر من بناء مؤسسة صغيرة تنظم العلاقة بين عون وجمهوره لتأمين استفادته القصوى من «الحالة العونية» وعدم تشتتها. فعام 2007، تجاوز عدد المنتسبين إلى الحزب الذين استحصلوا على بطاقات حزبية الـ 75 ألفاً، فيما لم يتجاوز عدد من جدّدوا بطاقاتهم نهاية 2014 الـ 15 ألفاً. ما يعني أن هناك نحو 80% ممن كانوا متحمسين للعونية عام 2007 ما عادوا كذلك عام 2014؛ لعل أكثريتهم لا تزال تؤيد التيار الوطني الحر، إلا أن حماستهم للنشاط في صفوفه تبخرت. والأسوأ، هنا، أن المسؤولين عن هذه الفضيحة لم ينجوا من المحاسبة فحسب، بل بقوا في مواقعهم لاستهلاك الفرصة تلو الأخرى. إلا أن الجنرال قرر أخيراً، لأسباب لا تزال مجهولة، الانفتاح على أكبر قدر ممكن من المعنيين بمستقبل التيار لإعداد نظام داخلي، وإرساله إلى وزارة الداخلية، وتحديد موعد أولي للانتخابات الحزبية.

يقدم النظام الجديد للتيار ما يكفي من الكراسي للجميع

من يقرأ النظام، يقر بوجوب إعطاء العونيين عدة براءات اختراع: هو أول حزب يعلن في نظامه الداخلي وجود «عضو ملتزم» و»عضو مؤيد» في صفوفه. لا يشارك «العضو المؤيد» في انتخابات التيار الداخلية والأنشطة الحزبية الخاصة. لكنْ كلاهما (الملتزم والمؤيد) يشارك في اختيار مرشحي التيار للانتخابات النيابية والمهنية والبلدية، كل ضمن المجموعة التي ينتسب إليها، عبر إجراء انتخابات تمهيدية داخلية وبالاقتراع السري. وتدعو أهداف التيار إلى «التكافل الاجتماعي»، والعمل من أجل «وضع قانون مدني للأحوال الشخصية، وفصل سلطة الدولة عن سلطة الدين»، و»إزالة الفوارق القانونية والاجتماعية بين الرجل والمرأة». وفي وقت تتسابق فيه الأحزاب لاستقطاب الأطفال والمراهقين، اشترط العونيون بلوغ طالب الانتساب العشرين عاماً لدرس طلبه. ويحدد المنتسب إذا كان يود الانتساب إلى هيئة مناطقية وفق قيده أو سكنه، مع العلم أن قانون الانتخابات البلدية لا يزال يلزم الناخبين الاقتراع وفق قيدهم لا وفق سكنهم. ويبدو لافتاً أن «دورات التدريب والتعريف على فكر التيار» تجري للأعضاء بعد قبول طلباتهم وإعطائهم البطاقات الحزبية. وحرصاً على تداول السلطة في مختلف المواقع، يعطي النظام العضو فرصة شغل أي مركز مسؤولية «شرط عدم بقائه في هذا المركز أكثر من دورتين متتاليتين، على أن تكون مدة الدورة أربع سنوات». وهو ما لم يحسم بعد في ما يخص النواب: لماذا يمنع منسق القضاء من الترشح مرة ثالثة، فيما يسمح بذلك لنائب القضاء؟ والأهم هنا: «لا يجوز للعضو الملتزم أن يشغل أكثر من مركز مسؤولية واحد في الوقت ذاته». وينص أحد البنود على الطرد الفوري لمن «ارتكب جناية أو محاولة جناية أو جنحة شائنة مثبتة بحكم قضائي».

أما نظام الانتخاب الحزبي للهيئات المحلية فهو أكثري، حيث تكون المجموعة المناطقية صغيرة (أقل من 50 منتسباً)، ونسبي بلوائح مقفلة مع اعتماد الصوت الترجيحي حين يتجاوز عدد المنتسبين الـ 51. أما هيئة القضاء فتنتخب على أساس نسبي، بلوائح مقفلة مع اعتماد الصوت الترجيحي. وبموازاة «هيئة القضاء» الحزبية بامتياز، هناك «مجلس القضاء» الذي يتألف من منسق، مسؤول البلديات، مسؤول العلاقات العامة في هيئة القضاء، نواب ووزراء القضاء الحزبيين الحاليين والسابقين، نقباء المهن الحرة الحزبيين، رؤساء المجالس البلدية الحزبيين وآخرين. ومقارنة بندرة المناصب القيادية اليوم، يقدم النظام الجديد ما يكفي من الكراسي للجميع: هناك المجلس الوطني الواسع، والمجلس التنفيذي الذي يتألف من 14 لجنة مركزية. والمجلس الاستشاري والمجلس السياسي وأمانة سر التيار. أما الرئيس ونائباه (الأول للشؤون السياسية والثاني للشؤون الإدارية) فتنتخبهم الهيئة العامة (جميع أعضاء التيار لا ممثليهم في الهيئات المناطقية أو غيرها = انتخاب مباشر من الشعب). وهو ما يوحي بانسجام العونيين في تشريعهم الحزبي مع طرحهم السياسي، لناحية اعتماد النسبية وانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب.

يحظى هذا النظام برضى الجنرال وغالبية الناشطين الذين لم يكن يعجبهم شيء في المرحلة السابقة، فيما يتعامل معه الوزير جبران باسيل ببرودة، وتكاد تقتصر الاعتراضات عليه حتى الآن على بعض الأعضاء السابقين في ما كان يعرف بـ «التجمع من أجل لبنان – فرنسا»، مثل ايلي سابا وفارس لويس وفادي داغر وفادي الجميّل، إضافة إلى المنسق السابق لقضاء زغرتا رياض غزالة. ويعدّد هؤلاء، بطريقة منهجية، عدة اعتراضات، أبرزها: فرض النظام من قبل القيادة، من دون إجراء نقاشات رسمية واتخاذ التدابير القانونية اللازمة ولو شكلياً لتعديل النظام السابق. مع العلم أن أعضاء الهيئة التأسيسية للتيار قرأوا النظام الجديد على موقع التيار الالكتروني. كما يسمح البند المتعلق بفصل الأعضاء من الحزب لـ «تشويه صورة التيار عملاً وقولاً» القابلة للتأويل، بطرد أي كان. وسيؤدي عدم إلزام المرشحين إلى مختلف المناصب بتقديم برامجهم الخاصة، إلى إلغاء آلية المراقبة والمساءلة. ويبدو واضحاً عدم إعطاء النظام دورا كبيرا للانتشار (يتمثل الانتشار في ممثلين من أصل مئتين في المجلس الوطني). ويشار هنا إلى أن الأرقام المتداولة عن أرقام المغتربين الذين جددوا بطاقاتهم تثير مخاوف جدية بشأن الانتشار العوني.

وفي موازاة الشكوى غير المحقة من تعيين الرئيس مسؤولي وأعضاء اللجان المركزية (وهذا حقه، لأن كل رئيس يحتاج إلى فريق عمله)، تبرز شكوى محقة من ارتباط لجنة الرقابة بالرئيس وسيطرته على مجلس التحكيم ووضع المراقبة المالية تحت عباءته. ولا شك هنا أن صورة النظام ستزداد إيجابية في حال إجراء التعديلات اللازمة لإضافة: أولاً، آلية خاصة بحسن الإدارة والشفافّية المالّية داخل التّيار، من خلال مراقبة ديموقراطية واضحة على جميع مستويات التمويل والصرف المحيطة بالتّيار (الهبات، الحملات الانتخابية، المؤسسات والجمعيات المقربة من التّيار، الخ …) الداخلّية منها كما السياسّية خارج التّيار. وثانياً، آلية واضحة للتعيينات في جميع المناصب مع المحافظة على هامش مناورة في التحالفات للقيادة الحزبّية؛ على أن يكون الأشخاص الذين تجري تسميتهم أعضاء في الحزب، وعليهم تطبيق البرنامج الانتخابي للحزب، وتحّمل المسؤولّية السياسّية أمام المجلس الوطني.

في النتيجة، يمثل ما تحقق حتى الآن إنجازاً عونياً غير متوقع، يفتح الباب أمام ضخ بعض الديناميّة العونية في المناطق والهيئات التي تعاني جموداً وصل إلى مستويات لم يبلغها حزبا الوطنيين الأحرار والكتلة الوطنية. وقد بدأ الحراك الانتخابي في أكثر من منطقة، برغم تشكيك بعض المقربين من الوزير باسيل بحصول الانتخابات، وتوقعهم أن تحل محلها مجموعة تسويات وتوافقات انتخابية. مع العلم أن الوضع العوني الداخلي ومعنويات من بقي لا تحتمل أي التفاف من قريب أو بعيد على الانتخابات الحزبية لتطييرها مجدداً وإعادة التيار إلى الثلاجة.