الطريف «المُستطرف» انه منذ انخراط حزب ولاية الفقهاء في سوريا دفاعاً عن نظام بشار الأسد المتهاوي آنذاك تحت قوة الثورة السورية الشعبية، وبدلاً من ان يتقدم النظام في «نجاته» ها هو وبعد سنوات يتقلص جيشاً وشبيحة وأرضاً وميداناً، حتى لم يتبق من هيمنته سوى 20 بالمئة، ليسيطر «داعش» (صنيعه الفرانكشتاني) على 50 بالمئة، والباقي في أيدي الثوار.
والطريف «المستطرف» انه منذ دخول حزب بني فارس المعارك حتى اليوم، ازدادت قوة داعش، ثم استعاد الجيش الحر أخيراً جزءاً من حضوره، وكذلك «النصرة». دخل الحزب تحت راية «جهادية» مذهبية «حماية مقام السيدة زينب» فازدهر «داعش«. يا للمفارقة! والمعروف أن الحزب الذي لا يقهر (كجيش الصهاينة) وكذلك الجيش النظامي لم يحاربا «داعش» إلاّ اعلامياً. عقدا معه اتفاقيات نفطية وغاز وزوداه كل ما يلزم من الكهرباء وتوفير ما ينقصه. داعش التكفيري، الارهابي (نتذكر ظاهرة شاكر العبسي السورية في مخيم نهر البارد وامارته المهزومة) حيّده الحزب «التكفيري» والمذهبي من حساباته (وكأنه الحليف السري المُنتظَر) وركز على محاربة «الجيش الحر» (المدني، التعددي، الديموقراطي السيادي الوطني: هذا ما يقض مضاجع الحزب)، وما نمو «داعش» العجائبي، سوى تغذيته من قوى إيران ونظام الأسد. لكن وعلى امتداد الأيام والسنوات، توسّع داعش وتقلص الحزب وانهزم وانتصر داعش. وكلما انكمش النظام» سطعت» اعلامياً صُور سليماني والحرس الثوري لكن الاعلام لا يصنع انتصاراً ولا يديم «فوزاً» هشاً.
انكسرت صورة سليماني وتحطمت قوة الأسد واختفى دور الحزب وهو لاعب صغير بين اللاعبين الكبار. ميليشيا قروية بين قوى تطورت في ظل تغيير الموازين على الأرض: انسحب الحزب من دمشق (وكأنه وايران أخذا ينفضان أيديهما من النظام). من مدّه «الوهمي» وعنترياته وتلفيقاته الاعلامية إلى مرحلة «الجزر». كأن الحزب المهزوم في معاركه ضد الشعب السوري، وتواطئه في جرائم النظام (والقنابل العنقودية، الكلور، الكيماوي، البراميل المتفجرة، المجازر) ها هو يبحث حيث سبق أن اعلن انتصاره محتفلاً بنرجسياته وأمراضه وفساده عن «ترضية»، أو يتسول ويتوسل «ولو نصراً» هو شبيه الهزيمة في القلمون… وصولاً إلى عرسال اللبنانية، المتواجد فيها الجيش اللبناني. فعرسال في «عين» الحزب باتت في لا وعيه الطفولي، مثل «القصير» وبيروت 7 أيار وغزوة الجبل: أرضاً يجب أن تُسيب ليُصنع من حطامها وركامها ودمارها «تمثال» انتصاره الرملي (كل تماثيل نصر الحزب من رمال تزلق من بين الأصابع وتتلاشى أمام العيون والأفئدة المفجوعة».
[ الخلاص
إذاً عرسال هي «اللوتو» أو «الخلاص». وهذه العقلية الخرافية ليست جديدة. فبعد استدراج الحزب العدوَ الصهيوني في حرب تموز، الذي دمرّ وضرب ونسف ما يعادل بمليارات الدولارات وقتل وجرح نحو 3475 لبنانياً، وهجرّ مليوناً من أهل الجنوب، ها هو تغطية لنكساته (الانتصار يسجله التقدم على الأرض، وليس الصمود تحت الأنفاق) يعلن حرباً على اللبنانيين في 7 أيار يجتاح بيروت وينتصر على «الدكاكين المغلقة» وباعة اليانصيب والجرائد ومحلات الفراريج، والمقاهي الفارغة، والشوارع (هل هناك من يعلن انتصاراً على شارع فارغ ويكون طبيعياً؟)، والأزقة.
ولم ينس منافسته لشارون في غزوه بيروت، فاراد ان يتفوق عليه بإحراقه تلفزيون «المستقبل« و«جريدة المستقبل«، في حين أن شارون مرّ قرب جريدة «السفير« وبعض الدور الاعلامية ولم يمسها. (هذا انتصار إجرامي مبين على شارون السفاح! مبروك).
[ مهزوماً
إذاً، بعد حرب «لو كنت أدري» ونتائجها وهجومه على اللبنانيين، وتكفيرهم وتجريمهم وتخوينهم بهدف ارهابي لفرض شعار الانتصار وكمّ الأفواه. ها هو اليوم وبالسيناريو نفسه يعود من سوريا مهزوماً إلى القلمون، وقد أزهق بجنونه دماء آلاف الشباب اللبناني في معركة ليست معركتهم…. ليواجه من أسماهم «التكفيريين» و»الارهابيين». لكن القلمون الذي سبق ان احتفل الحزب بانتصاراته فيها، ها هو بعدما خسرها، يريد أن يكون انتصاره الوهمي، ذريعة لاحتلال عرسال (كما احتل بيروت) وتهجير أهلها، ونهب بيوتهم، وتدمير كل حجر (كما فعل في القصير). عرسال إذاً في بال إيران، التي هُزِمت في اليمن شر هزيمة، وفي العراق (هرب سليماني من الميدان ومعه حديدان)، وفي سوريا وفي البحرين… وهي طبعاً في بلبال الحزب الذي يحارب تحت إمرة ولاية فقيه الفقهاء!). وكلنا يتذكر ان عرسال تعرضت لأبشع أنواع التسفيه والتشويه وباتهامها بإيواء التكفيريين والارهابيين، وانها «مرتع» سُنيّ يُمّد معارضة النظام بالرجال والسلاح! (وكذلك ضد النظام السوري الارهابي يعني أنك تكفيري وارهابي!). ولم توفر بعض الأجهزة الأمنية اساليب المطاردة والتنكيل والاعتقالات بحق بعض أهالي عرسال باعتبار أن بعض هذه الأجهزة الأمنية «تدين» لحزب سليماني في أكثر من ولائها للناس. (انها فلول عهد اميل لحود. وآخر دليل على ذلك الحكم الهزلي المبكي على جريمة ميشال سماحة!). لكن مشكلة هذه الميليشيات الفارسية وجود الجيش اللبناني على مجمل أراضي عرسال. فعرسال بلدة لبنانية (من 40 ألفاً) وجرود القلمون أقرب إلى سوريا. التزم الجيش اللبناني مواجهة كل اعتداء آتٍ من الخارج. وهكذا فعل، وحال دون أي تسرب لمقاتلي «داعش» (هل يمكن ان تقر لنا يا سيد حسن بالعربي الفصيح، كيف حيدكم داعش، وهجم على النصرة والجيش الحر؟ كيف ظهر فجأة منذ اعلانكم بدء معركة القلمون: وكل ارهابي للإرهابي حليف!)؛ داعش يحارب مع «حزب الله« و«حزب الله« يتهم المعارضة اللبنانية بدعم «داعش«! يذكرنا ذلك بتصريح نتنياهو في بداية الثورة السورية «سقوط نظام الأسد كارثة على اسرائيل» فنتنياهو يدعم الأسد لكن هؤلاء «الممانعون» يتهمون 14 آذار بالعمالة لإسرائيل. رائع. يا دهاقنة النفاق!
[ قلب المؤامرة
عرسال إذاً في قلب مؤامرة «حزب الله«. وكما حاول هذا الحزب استخدام الجيش لمواجهة العشائر البعلبكية في الضاحية، ها هو يسعى إلى استخدام هذه العشائر ضد أهالي عرسال والجيش. وهذا الأخير أي الجيش يتعرض منذ مدة لهجوم اعلامي من وسائل الممانعة وحزب ولايتي. حملة شعواء على الجيش اتهمت بعضهم بأنه قصف تجمعات «المقاومة» (السابقة) واليوم يخيره السيد حسن بخطابه المطنطن بلغة الخسارة، امّا ستعلن أيها الجيش اللبناني حرباً على أهالي عرسال اللبنانية… « أو اننا لن نترك تكفيرياً واحداً في عرسال». انه تهديد للجيش بمواجهته مباشرة، وتهديد للبلدة اللبنانية الشمّاء بلبنانيتها وعروبتها، وتهديد بحرب مذهبية بين «شيعية» العشائر (وأقصد بعض مرتزقة هذه العشائر)، وسنية عرسال. ولا ننسى أن الحزب ذهب إلى دمشق بشعار مذهبي استفزازي سخيف، وها هو يعود إلى لبنان بشعار مذهبي استفزازي، يحمل تجديداً لإثارة الفتن (وهو حزب الفتن بامتياز). وتطمئننا القيادات بأن الجيش اللبناني الذي يحمي الحدود، ويمنع دواعش الحزب، من اختراق البلدة، وهو باق هناك. ميليشيا مذهبية جزئية شبيهة بتلك التي عرفنا في الحروب الماضية تهدد الجيش النظامي لأنه لا ينصاع لأوامرها المملاة من خامنئي. وقالها السيد حسن، لن نترك «تكفيرياً واحداً»، مهما قالوا، وحلّلوا، وشرحوا، يقصد هنا أكثرية اللبنانيين. عندما نفذ «حزب الله« إرادة «المستولي» فقيه الفقهاء، لإعلان الحرب على الشعب السوري وإرادته داخل سوريا (فتحول محتلاً أسوأ ربما من إسرائيل) فإنه لم يأخذ إذناً من أحد. ذهب بمحض إرادة إيرانية تعلو على كل النظام اللبناني والشعب والأحزاب والحكومة والبرلمان. ذهب وكما قال أحد «قادة الحزب» «نحن لا نحتاج لا إلى إجماع ولا إلى إذن من أحد». يعني أنهم هم الذين يأذنون للبنانيين بما يجب أن يفعلوه. لكنه عاد إلى لبنان، ليس فقط بلا إذن، ولا محاكمة ولا محاسبة وإنما أيضاً على الرغم من الشعب، ليورط الجيش بمعارك إيران. أما هذا الإصرار الدموي العنجهي والنبرة الاستعلائية (عاشو يا خيي!) فربما يخبئ كما عودنا الحزب أهدافاً أوسع، وأمكر، وأخطر.
[ الأهداف الباطنية
فهل أمرته إيران بتأمين خط ساحلي، يمر بحمص وقبلها عرسال، والقلمون، وربما (يضم بعض البقاع)، لمخطط تقسيمي؟ فبعدما فشل «الهلال الصهيوني» يسمونه خطأ هلالاً شيعياً، يبدو أن بني فارس، والنظام، يريدون أن يعوضوا، بدويلة علوية شيعية على الخط الساحلي المفتوح على البحر. ونظن أن هذا المخطط ليس سوى إعلان هزيمة مدوية لإيران والنظام وأداتهما الحزبية في لبنان. فبدلاً من الولاية «السورية» (الإيرانية)، انفجرت كل الحدود الداخلية، ولم يتبق لهؤلاء سوى فتات سوريا، التي تكاد لا تشكل «بلدية»، أو شبه مدينة.
لكن السؤال هل يمتد المخطط التقسيمي من سوريا الأسد وعراق المالكي و»الحشد الشعبي» الفارسي، إلى لبنان؟ أترى ذهب الحزب ليقسم سوريا، وعاد ليكرس حدود التقسيم، ويهدد «ضمناً» بإلحاق لبنان بمصائر الحزب الفاشلة؟
ربما، يمكن إدراج قطع «رأس الجمهورية» في هذا «الهاجس» باعتبار أن ممارسة السيد حسن نصرالله مهمة «المرشد» (وهو مُرشد مُرشَد). كأنها تمرين على إلغاء الجمهورية بالفراغ. وهذه الذهنية رافقت كل تاريخه في لبنان: من تعطيل مجلس النواب، إلى محاصرة الحكومة، إلى انقلاب القمصان السود، إلى عدوان 7 أيار… فإلى دوره في تعطيل القضاء اللبناني والمؤسسات: إفراغ الجمهورية اللبنانية لتعبئة الفراغ بهيمنته الإيرانية. فهل يكون لبنان تعويضاً للحزب من ضمن المعاهدة التي عقدها مع إسرائيل لوقف النار في مزارع شبعا، وهي شبيهة بمعاهدة نظام الأسد بإعطاء الجولان لإسرائيل مقابل بقاء النظام… والسيطرة على لبنان. أيكون لبنان التعويض عن هزائم الحزب في سوريا، واليمن، والبحرين.. والعراق؟ أتكون إسرائيل في جوهر هذه الصفقات المماثلة والمتماهية: نظام الأسد أراحهم من المقاومة الفلسطينية في لبنان، وها هو وإيران يريحان إسرائيل من الربيع العربي. أكثر: الثمن أغلى «وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم»: هل ثمّنت إسرائيل تحقيق إيران والنظام السوري تفكيك الأمة العربية، وتقسيمها دويلات مذهبية، لتبرر الكيان الصهيوني المذهبي، وتتمتع هي بكيان موحد إزاء كيانات عربية متناحرة تقوض فيها الدول لصالح الدويلات، والجمهوريات لصالح الانشقاقات، وتضرب العروبة لصالح الفارسية والصهيونية؟
[ المفتاح
أتراها عرسال مفتاحاً.. لتمدد هذا الخراب؟ بل هل يجعلها حزب الخراب بمثابة بوسطة عين الرمانة 1975، التي أدت إلى هذه الفوضى التقسيمية والكانتونية، وإلغاء لبنان من الخريطة؟ لكن ما زال عندنا الجيش الصامد بوحدته، وأكثرية الشعب اللبناني… وإرادته، وعندنا روح ثورة الأرز التي ما زالت تنفخ في نفوس اللبنانيين، مقابل تخثر الحزب وتساقطه حتى في بيئته المحضونة بالقوة والإرهاب، سقوط الرهان على تنكب الحزب هذا الخراب، من شأنه أن يحمي لبنان من مؤامرات إيران، ومن شأنه أن يعيد الحزب إلى حجمه الطبيعي. لكن السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير كأنه صوّب على هذه النقطة: فهناك الجيش موحداً، فلنضعه أمام خيارات عدة: إما حرب يعلنها على أهالي عرسال (وقد يهدد ذلك وحدته)، وإما حرب دفاع عنها في وجه ميليشيات العشائر الحزبية، وإما مواجهة في وجه مباشرة معنا… وتحتوي هذه الاختيارات على عناصر تخريب المؤسسة العسكرية، وتعطيل دورها، وشرذمتها، لتكتمل دائرة تقسيم لبنان، وضم بعضه إلى شريط الدويلة المذهبية التي يظن الأسد أنها ستحميه من المحاكمة، ومن الانهيار الكلي. (ومن قال إن بيئة بشار ما زالت مستعدة للانخراط في مخطط سلخها عن سوريا؟ ومن قال إن حتى تقسيم الجيش اللبناني سيكون لمصلحة الحزب؟ (إنها حسابات العقل الأمني لا السياسي). فالبيئة العلوية التي كبّدها النظام عشرات الآلاف من الضحايا خدمة لبقائه، لم تعد مستعدة لإكمال هذه الطريق التراجيدية، الانعزالية (وهنا حسابات فوقية خاطئة). فالبيئتان: الشيعية في لبنان، والعلوية في سوريا، فقدتا الثقة بقياداتها المذهبية، وبطغيانهم وبجنونهم وتحويلهم مجرد قرابين على مذابح إيران أو آل الأسد.
[ الصحوة العربية
يبقى أن الظروف العربية اليوم، وهذا مهم، باتت أفضل، من خلال هبوب عاصفة العروبة التي همدت طويلاً وسمحت لإيران بالتمدد وموافاة إسرائيل في مخططاتها. فالعرب اليوم يعيشون صحوة العروبة في مواجهة «الفارسية»، والزردشتية، والحلم «القومي» بواجهة مذهبية. وكأن الربيع العربي، على الرغم من كل ما تعرض له، نفخ بعض الأنظمة، وغسل غباراً على العيون، وها هو، شعبياً، ومؤسسات، يتوحد جيوشاً وسياسة واستراتيجية في معركته لاستعادة ما انتهكته إيران وعملاؤها.
وهذا عامل أساسي برز كالمعجزة. فالتاريخ لا يمشي بطرق مستقيمة، فهو يتعثر هنا، ويتقدم هناك، ويتقهقر هنالك… لكن ينبثق مفاجآت.
هذه المفاجأة برزت في هذه الصحوة، ومسلحة بوعي عميق بأسباب عجزها وسكوتها. وهذا لم ينتظره خامنئي ولا أوباما (الحليفان ولا كل الحلفاء مع إسرائيل)، ولا خططهما المشبوهة لضرب العروبة، والسنة، وحتى الأقليات!
على هذا الأساس، لن تكون معركة القلمون، سوى تفصيل صغير، في هذه المعركة الكبرى. أقصد أنها ستكون، ومهما تحقق فيها، بمثابة وداع لزمن «حزب الله«، وتكفيريي إيران، وإرهابيي النظام السوري!
المسائل يا سيد حسن لم تعد كما كانت. فالهزائم التي بدأت منذ دخولك سوريا… ستكمل إلى لبنان، واليمن، وسوريا، والبحرين!
إنها معركة وضع حد للجنون الفارسي!