IMLebanon

هل على الأسد أن يطمئن” أم “يقلق”؟ موسكو تحمي تدخّلها بالديبلوماسية الساخنة

حملت الزيارة الخاطفة والمفاجئة التي قام بها الرئيس بشار الاسد لموسكو في اول خروج له من سوريا منذ اندلاع الانتفاضة الاهلية ضده في 2011 تفسيرات لا تتصل بما اعلنه البيان المشترك الروسي السوري حول اطلاع الاسد بوتين على الوضع السوري. فالساعات القليلة التي استغرقتها الزيارة كما عدم الكشف عنها الا بعد عودة الاسد الى دمشق تندرج في اطار عدم ترك المجال لتحولات يمكن ان تطرأ بمجرد الاعلان عن توجهه الى موسكو لما يعنيه ذلك من احتمالات جذرية يمكن ان تحصل على الارض نتيجة لذلك على قاعدة افتراضات تبدأ من تركه موقعه وطلب اللجوء السياسي ولا تنتهي بها خصوصا ان كثرا سبق ان اقترحوا على موسكو ان تجد مكانا للاسد على اراضيها كحل بديل من استمراره في السلطة. والاتصالات التي اجراها الرئيس الروسي بعدد من القيادات الاقليمية والدولية بعد استقباله الاسد والاعلان عن تحديد اللقاء الذي كان مقررا مبدئيا بين وزراء الخارجية الاميركي والروسي الى جانب السعودي والتركي تبرز دلالات على ان ثمة مفاوضات وضعت على السكة في موازاة الضربات العسكرية التي يسعى بوتين الى استثمارها في السياسة سريعا، وهي لا تزال مثار جدل قبل ان تخبو اهميتها وتغدو روتينا لا يقدم ولا يؤخر في مجرى الاحداث او قبل ان تغرق روسيا في وحول الحرب السورية. وتاليا هناك اقتراحات يجب ان يحملها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للبحث فيها مع وزيري خارجية المملكة السعودية وتركيا في الدرجة الاولى باعتبار ان موقف الديبلوماسية الاميركية في شأن مصير الاسد لا يبدو بالصلابة التي تميز الموقفين السعودي والتركي فيما تغيب ايران عن هذا اللقاء بحيث تبدو روسيا التي استندت بها ايران للتدخل في سوريا هي المحاور المقبول بالنيابة عن محور الاسد وعن ايران التي ترفض المملكة السعودية ان تكون جزءا من البحث عن حل ما دامت جزءا من الازمة.

تعني الزيارة في الشكل بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين جملة امور قد يكون من بينها:

ان الاسد الذي استمع في الايام الاخيرة الى شروط علنية ترفعها دول اوروبية كبريطانيا التي تحدثت عن ضرورة رحيله في مرحلة ما من الحل او اكثر تركيا التي اعلن مسؤولون فيها عن امكان قبول مدة ستة اشهر للاسد بعد بدء المرحلة الانتقالية من اجل الرحيل والسعودية التي رفضت كليا بقاء الاسد للمرحلة الانتقالية يفترض به ان يقلق من بيعه من الروس في خضم التفاوض على الحل المحتمل للحرب السورية. فما يعنيه ذلك هو السقوف التي باتت تحددها الدول الخارجية كون مصير الاسد على طاولة التفاوض، ويفترض به ان يشعر بمؤشرات الاعداد لاتفاق كبير يجري في الخارج ويهمه على الارجح الدفاع عن موقعه ومصيره.

ان روسيا تظهر عبر استقبال الاسد الذي شكره بوتين على تلبية دعوته له للزيارة على رغم ما يحصل في سوريا انها تملك وفق التعبير البسيط “الدب وجلده” من حيث انها تملك مفاتيح الحل في سوريا كلاعب اساسي لا يمكن اغفال مصالحه التي يحددها هو بنفسه. ومع ان ايا من الدول الخارجية بما فيها الولايات المتحدة لم تنكر على روسيا وضعها المميز بالنسبة الى الحرب السورية، فان بوتين باستدعائه الاسد يرغب في ان يظهر انه يملك كل المفاتيح بما فيها مفتاح الذهاب الى الحل السلمي وقدرته على الاتيان بالاسد وتاليا بالضغط عليه متى لزم الامر. كما ان روسيا تظهر انها تملك القدرة على تقديم الضمانات له وللآخرين في هذا المجال. فاستقبال الاسد قد لا يكون اعادة تأهيل سياسي له ليتمكن من الجلوس على طاولة التفاوض مع المعارضة السورية متى حان أوانها او من أجل تأمين استمراريته في موقعه بمقدار ما يفتح المجال هنا امام اعطاء الانطباع انها لا تتصرف خارج الاتفاق معه ولا تفاوض على رأسه من اجل الحل السياسي بل على قاعدة انه جزء من هذا الحل ويشارك فيه، ما قد يفسر ايضا بمثابة حفظ ماء الوجه للاسد واعلان الضمان لحماية خروجه متى أملى التفاوض خروجه في نهاية الامر تحت وطأة شروط نهائية وحاسمة في هذا الاطار.

من جهة اخرى فان روسيا التي بدأت القصف قبل ثلاثة اسابيع على مواقع تقول انها للارهابيين وبات عددها يصل الى المئات في مقابل دعم ميداني عسكري من ايران والميليشيات التابعة لها في المنطقة لم تستطع ان تحقق خرقا ميدانيا يعتد به حتى الان. واستمرار العمليات العسكرية من دون تقدم ميداني من شأنه ان يلوح لروسيا باحتمال الغرق في تجربة افغانستان في الوقت الذي لا قدرة لروسيا على الاستمرار في الحرب لمدة طويلة او اكثر من بضعة اسابيع اضافية ما لم تحاول ان ترفد الضربات الجوية التي تقوم بها والتي ساهمت في اعادة بعض الاعتبار للرئيس السوري وساهمت في تماسك المناطق التي لا يزال يسيطر عليها بمحاولات او مساعٍ جدية لحل سياسي. وكانت دعوة بوتين لواشنطن من اجل الانخراط في محادثات حول الشأن السوري والتي رفضتها الادارة الاميركية باستثناء التنسيق او تنظيم الطلعات الجوية فوق سوريا بمثابة رغبة روسية من اجل تجنب مواجهة روسيا ما تخشى مواجهته اي القيام بعمليات عسكرية لا تؤدي الى نتائج فعالة في غياب اي أفق لحل سياسي.