لا تعني الأسباب التي تشرح أو تبرِّر تفوُّق أوضاع نظام الرئيس الأسد على أوضاع الذين يقاتلونه داخل بلاده من سوريين وغير سوريين، انه في حال من الارتياح التام إلى مصير الحرب الدائرة بينه وبينهم. فحلفاؤه الروس والإيرانيون يمرّون في ظروف صعبة بسبب انخفاض بل انهيار أسعار النفط، كما بسبب الأزمة الناشبة في أوكرانيا. فضلاً عن أن النظام يعيش مراوحة عسكرية على رغم أنه يخطِّط لتفعيل الجبهة الجنوبية (درعا وجوارها)، ويستكمل معركة ريف دمشق في جوبر ودوما. علماً أنه يتقدم بثبات لتطويق مدينة حلب وعزلها عن عمقها الريفي بعدما نجح في تطويقها بالنار. هذا ما يقوله المتابعون الأميركيون أنفسهم للأوضاع في سوريا والشرق الأوسط وطريقة تعاطي إدارة بلادهم مع تطوراتها.
إلاّ أن المصير النهائي للحرب المشار إليها يرتبط في شكل أو في آخر بالمحاولات الجارية منذ أكثر من سنة بين أميركا والجمهورية الإسلامية الإيرانية للاتفاق على تسوية مقبولة دولياً للملف النووي الأخيرة، وذلك جرّاء علاقة التحالف – الشركة المتكافئة المزمنة بين طهران والنظام منذ أيام مؤسسه الراحل حافظ الأسد التي تضاعفت متانتها مرات ومرات، ولكن على حساب نسبة الشركة بين البلدين جرّاء الاختلال الواضح والفاضح في ميزان القوى بينهما. هذا ما يراه باحثون جديون في مركز أبحاث أميركي عريق. لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا سيكون مصير “المفاوضات النووية” التي استؤنفت في الـ15 من الشهر الجاري؟
والجواب كما يقدمه هؤلاء يشير إلى وجود إشارات عن تقدم ما سبق معاودة التفاوض في التاريخ المذكور أعلاه. علماً أن الموضوعات الرئيسية التي لا تزال تنتظر حلاً هي نسبة تخصيب إيران للأورانيوم على المدى الطويل، والوضع المستقبلي للمنشأتين النوويتين ناتانز وفوردو اللتين لا تستطيع الضربات العسكرية المتنوعة الوصول إليهما. فضلاً عن مستقبل مفاعل آراك القريب من الإنجاز والذي يعمل على الماء الثقيل.
وفي هذا المجال يبدو لهؤلاء واضحاً وأكيداً في واشنطن ان “ردّ الاعتبار” أو بالأحرى إصلاح العلاقة مع إيران لا يمكن أن يبدأ قبل التوصل إلى صفقة شاملة تتناول برنامجها النووي. وعلى رغم أن آفاق التقارب الإيراني – الأميركي هي اليوم أفضل وبكثير مما كانت عليه منذ عقود فإنه لا بد من ملاحظة أن الآفاق المشار إليها لا تزال غير مفتوحة على نحو كافٍ بسبب مجموعات مهمة وقوية معارضة للتسوية أو الصفقة داخل الدولتين. كما بسبب وجود لاعبين خارجيين التزموا بذل كل جهد ممكن لإبقائهما عدوتين وفي صورة نهائية. ومن هؤلاء المملكة العربية السعودية المقتنعة بأنها ستخسر جرّاء أي اتفاق بينهما، والمستعدة ربما لجعل نفسها الحل أو الأساس للتوصل إليه في الصراع مع “داعش”، ولاستعمال النفط وملابسات انهيار أسعاره لتحقيق هدفها.
في أي حال يرى الباحثون الأميركيون أنفسهم ضرورة مراقبة ومتابعة أمرين في السنة التي بدأت قبل أسابيع قليلة، الأول توقع دفع إيران في اتجاه صفقة أو اتفاق وذلك لاقتناع مسؤولين كبار فيها بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما يفقد يومياً الكثير من قوته ورصيده، ويعني ذلك ضرورة استعمال الوقت الذي ينفد في سرعة. أما الأمر الثاني فهو أن الأحداث الجارية في الحرب على “داعش” سيكون لها تأثير مباشر على العلاقات الأميركية – الإيرانية. فواشنطن التي وقفت طويلاً ضد الأسد حليف إيران قد تغيّر موقفها منه في شكل أو في آخر إذا تمكنت قواته من استعادة اليد العليا والطولى في الحرب الأهلية الدائرة في بلاده منذ سنوات. وربما تجد أن لا خيار أمامها سوى قبول نظامه أو بالأحرى بقائه كما كان قبل بزوغ “الربيع العربي” في سوريا أو إلى وضع قريب من ذلك. والنتيجة ستكون حتماً في مصلحة علاقة أميركا وإيران، ذلك أنها تلغي حكماً خلافاً أساسياً بينهما هو: هل يجب أن يتنحّى الأسد أو لا؟ وإذا تضاعفت الفوضى على الحدود السورية – العراقية، وتبيّن عدم فاعلية الغارات الجوية لقوات “التحالف الدولي” على “داعش” والعمليات البرية للجيش العراقي ضده، فأن إيران ستصبح شريكاً جذاباً وإن غير مثالي بكل المقاييس. ذلك أنها تستطيع المساعدة في تثبيت استقرار وضع خطير من دون الحاجة إلى انتشار أميركي عسكري (بري) مكلف وربما دونكيشوتي.
هل توقُّع بقاء نظام الأسد في محله؟ وماذا عن العراق في معمعة الحروب الدائرة؟