عاد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من زيارة إلى الجمهورية الإسلامية إستمرت ليومين حاملا معه أجواء « إعجاب» بالديموقراطية الإيرانية وبنظام الحكم الموجود فيها وبالثوابت السياسية التي لا تتأثر بالظروف والمستجدات الغربية والإقليمية، حتى ولو كانت بحجم الإتفاق النووي الإيراني مع الغرب والمكاسب التي تأمل أن تحصل عليها الجمهورية الإسلامية من خلال تفعيل العلاقات – وعلى كافة المستويات – مع بعض الدول التي ربطتها بها مواقف حادة خلال مسار التفاوض الشاقّ الذي خاضته إيران على مدى عقود وتحديدا فرنسا.
تقول أوساط ديبلوماسية لبنانية مُتابعة لزيارة وزير الخارجية جبران باسيل إلى إيران، إنها كانت ناجحة على الصعيد البروتوكولي وبإمتياز، حيث أُتيحت الفرصة لباسيل للقاء كبار المسؤولين والقيادات بدءاً من الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف ونائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حسين أمير عبد اللهيان، ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، والمستشار الأعلى للشؤون الدولية لمرشد الثورة الإسلامية علي أكبر ولايتي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، وهي إشارة إلى المرتبة التي يحتلها باسيل بعد توَليه رئاسة التيار الوطني الحرّ، عدا عن أنه حليف الحليف الأول للجمهورية الإسلامية أي حزب الله، فكانت بمثابة جُرعة دعم أُعطيت له بما يمثّل مقابل «الهجوم» الديبلوماسي القويّ الذي يقوم به أخصامه وحلفاؤهم وتحديدا المملكة العربية السعودية، و مجاهرتها بعلاقتها القوية و«الإستراتيجية» مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي ظهر وكأنه الأبن «المُدلّل» للسياسة السعودية في لبنان، وتبنّته على أنه المُرشح القويّ مسيحيا مقابل «دعم» الجمهورية الإسلامية للجنرال عون لإنه برأيهم يمثّل أيضا الشخصية الأقوى مسيحيا، وهو ما أثبتته التظاهرات الأخيرة التي حشد فيها الجنرال حضورا مميزا كان بمثابة «الإستفتاء» على ترشحه لرئاسة الجمهورية شعبيا وجماهيريا.
تتابع هذه الأوساط بالقول إن باسيل وخلال لقاءاته المسؤولين الإيرانيين أراد «استمزاج» الأجواء الإقليمية ومدى ملاءمتها لإنجاز الإستحقاق الرئاسي والإستمرار في تبنّي السَير بالمرشح الأقوى مسيحيا – من وجهة نظر التيار الوطني وحزب الله – هو العماد عون، ومدى إمكانية دعم هذا الخيار ومناقشته مع الفرنسيين في الزيارة المقبلة التي ينوي الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني القيام بها إلى فرنسا في شهر نوفمبر المقبل، وخاصة أن الفرنسيين يضعون «فيتو» واضحاً على الجنرال عون في مسألة ترشحه للرئاسة لانه برأيهم لا تنطبق عليه تسمية المرشح التوافقي الذي تطالب به فرنسا وحلفاؤها في لبنان، وقد سمع باسيل كلاما إيرانيا مفاده أن الجنرال عون هو مرشح «الأولوية» لدى حزب الله وبالتالي الجمهورية الإسلامية، التي تحاول أن «تنأى» بنفسها بشكل مباشر عن إختيار رئيس للجمهورية اللبنانية وترك هذا الشأن الداخلي للبنانيين أنفسهم، لأنها لا تريد أن يُحسب عليها أيّ مرشح معيّن كي لا يتحول الموضوع إلى ورقة ضغط وابتزاز يُمارس على الجمهورية الإسلامية كون ساحات الإشتباك كثيرة ومفتوحة حاليا مع المحور الآخر.
وفي نفس السياق، طلب وزير الخارجية باسيل من الرئيس الإيراني في معرض لقائه المُرتقب مع الرئيس الفرنسي إثارة موضوع العلاقة بين فرنسا والجنرال عون التي تتّسم بأجواء غير إيجابية عززّتها مواقف داخلية وإقليمية دفعت فرنسا إلى إعتبار الجنرال «غير مطابق» المواصفات لرئاسة الجمهورية اللبنانية حسب الرؤية الفرنسية، وبالتالي أُخرج من لائحة الترشيح الفرنسية والأسماء المطروحة للنقاش، فهل يستطيع الرئيس الروحاني بزيارته القريبة إلى فرنسا التخفيف من العلاقات الملبّدة مع الجنرال عون؟ تجيب هذه الأوساط بالقول إن الرئيس الإيراني يحمل في زيارته إلى فرنسا أولوية تنظيم العلاقة بين البلدين بعد سنوات من التحدّي وصلت إلى مرحلة «النفور» الديبلوماسي على خلفية المواقف الفرنسية من الملف النووي الإيراني وقد بقي هذا الموقف على حاله حتى اللحظات الأخيرة قبيل توقيع الإتفاق، نظرا لرغبة فرنسا بالحصول على الصدارة في المكاسب الإقتصادية والسياسية مع الجمهورية الإسلامية عبر تفعيل مجالات التعاون بين البلدين وعلى كافة المستويات الإقتصادية والعسكرية، وهو ما حاول الوفد الإقتصادي الفرنسي عالي المستوى الذي زار إيران مؤخرا مناقشته مع المسؤولين الإيرانيين، وبالتالي تكون أولوية الزيارة إلى فرنسا هي فتح صفحة جديدة من العلاقات والتعاون البنّاء بين البلدين، وهذا لن يمنع التداول بالملفّ اللبناني على هامش الزيارة مع إدراك البلدين بأن موضوع رئاسة الجمهورية في لبنان يتحكم بمفصله الأساسي المملكة العربية السعودية، وهو ما يضع حلفاءها الداخليين بموقع مُريح وقادر على فرض «الفيتو» على ترشيح الجنرال عون، رغم حصول الأخير على عدم «ممانعة» من قبل إيران، في حال إستطاع إجتياز عقبة «الرفض» السعودي وهو ما لا تستطيع فرنسا تأمينه في الوقت الحالي.
أدرك الوزير جبران باسيل بعد لقاءاته الموسّعة في طهران، التي لم تقتصر فقط على الشأن الرئاسي والموقف الإيراني من دعم الجنرال عون كمرشح للرئاسة، بل تعداها لمناقشة قضايا إقتصادية تتعلق بالطاقة والنفط حيث يحتل هذا الموضوع مرتبة مهمّة في مسار العلاقات بين البلدين، أدرك بأن الجمهورية الإسلامية تحاول أن «تنأى» بنفسها عن الإنغماس المباشر بتحديد إسم المرشح لرئاسة الجمهورية، وإن كانت تشدّد على أهمية إنجاز هذا الإستحقاق وضرورة أن يتفق اللبنانيون أنفسهم على رئيس بلدهم، مع العلم بأن أوان تحقيق هذا الأمر لم يَحِن بعد، وهو نفس إنطباع فرنسا التي أجّلت زيارة للرئيس هولاند إلى بيروت كانت مطروحة الشهر المقبل لإشعارآخر، ريثما تتضح ملامح تغيير ما في الأزمات الملتهبة في المنطقة وتحديدا في سوريا غداة التدخل الروسي، حيث أصبحت كلّ الإحتمالات مفتوحة تتراوح بين «التسوية» و «التفجير» الكامل، ويضع الملفّ الرئاسي اللبناني في «ثلاّجة» الإنتظار حالياً، وهو ما سمعه الوزير باسيل في إيران، وما سيسمعه الرئيس روحاني في فرنسا قريبا.