شهدت البلاد خلال الايام القليلة الماضية سجالات واشتباكات سياسية بالغة الحدة بين اكثر من جهة سياسية، وعلى خلفية ملفات سياسية ومالية وانمائية وقضائية، ما دفع الى تحليلات واستنتاجات – ربما تكون مبكرة- حول مصير التسوية السياسية والتحالفات القائمة داخل الحكم وخارجه، لكن يبقى السؤال مشروعاً: الى اين ستؤدي هذه الخلافات والسجالات وكيف سيكون تأثيرها على عمل الحكومة في معالجة الملفات العالقة او التي اصبحت قيد التنفيذ، واهمها البدء بتطبيق مفاعيل مؤتمر «سيدر» الاقتصادي وخطة النهوض الاقتصادي وفق برنامج شركة «ماكينزي»، بعد اقرار الحكومة لمشروع موازنة 2019 مع ما رافقها من ملاحظات واعتراضات قد تغير وجهها في المجلس النيابي وتؤدي الى نتائج سلبية او مخالفة للتوقعات التي تضمنتها حول نسبة خفض الانفاق والعجز.
إلا ان اخطر ما في هذه السجالات هو المساس بمواضيع حساسة مجدداً مثل العودة الى لغة سياسية سبقت الحرب الاهلية حول «المارونية السياسية والحريرية السياسية» التي تلت انتهاء الحرب بفترة قصيرة في التسعينيات، والصلاحيات الدستورية ومترتبات اتفاق الطائف، وبخاصة ما يمس منه بدور رئيس الحكومة وصلاحياته، وهو امر يتم نبشه كل فترة تتوتر فيها الاجواء السياسية ولا يوجد مخرج جذري له، ما يجعله عامل توتر وتفجير سياسي دائم.
تبدو الصورة ضبابية حتى الآن خاصة ان رئيس الحكومة سعدالحريري لم يقل كلمته بصورة مباشرة بعد في المستجدات التي حصلت خلال وجوده في مكة المكرمة، وإن كان قد ألمح في مواقف خلال اكثر من مأدبة افطار ومناسبة عامة الى ضرورة وقف المشاحنات والاستعراضات السياسية وتسجيل المواقف والانكباب على العمل لانقاذ الاقتصاد والبلاد والعباد، كما ان الرئيسين ميشال عون ونبيه بري لم يتدخلا بصورة مباشرة لوقف المشاحنات وتبريد الاجواء، وإن كانت هناك معلومات تفيد عن اتصالات بعيدة عن الاضواء من أجل وقف التصعيد السياسي، الذي بات يؤثر على صورة لبنان الخارجية، بحيث جرى تداول معلومات عن اتصالات يجريها السفراء المعتمدون في بيروت لمعرفة المدى الذي ستبلغه الخلافات وانعكاساتها على الوضع السياسي والمالي والاقتصادي.
وبغض النظر عن اسباب السجالات التي اندلعت بين «التيار الوطني الحر» من جهة وبين كل من «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة اخرى، فإن التوضيحات التي اطلقها رئيس التيار الحر الوزير جبران باسيل قبل يومين من خلال مصادره ثم امس في كلمته بمنطقة الشياح – عين الرمانة، ربما تكون كفيلة بتبريد الاجواء خاصة مع «تيار المستقبل»، لا سيما بعد تأكيده على «الميثاقية وتحالف الاقوياء»، فيما قالت مصادره المقربة لـ «اللواء» ان لا مشكل مع الرئيس الحريري وان التيار مستمر بالتفاهمات مع كل الاطراف السياسية ولا سيما مع رئيس الحكومة.
اما السجال بتفاصيله اليومية فيبدو انه توقف امس بتغريدتين لكل من الوزير الياس بوصعب والامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري، انهياها سوياً بعبارة: «منتهية»… بما يعني انها آخر تغريدات السجال. وفعلا لم يسجل اي موقف للرجلين بعدهما.
وتقول مصادر متابعة للموضوع ان جميع الاطراف السياسية مضطرة لإعادة ضبط الخطاب السياسي والعودة الى الحد الادنى من التفاهمات ووقف تجييش شارعها وجمهورها، حتى لا تنفلت الامور ويصبح من الصعب ضبطها وتنعكس سلباً على عمل الحكومة وانتاجيتها ومشاريعها، وهو امر يؤدي تلقائياً الى فشل كل القوى السياسية في إدارة المرحلة السياسية الراهنة بكل ما تحمل من تحديات ووعود، لا سيما في ظل الوضع الاقليمي المتوتر، والذي ينعكس ايضا على لبنان، كما ظهر في المواقف التي واكبت انعقاد قمم مكة الثلاث والصراع الاميركي- الايراني.
وتشير المصادر الى ان ثمة أموراً تواجهها البلاد اهم واكبر واخطر بكثير من مواقف وشعبوية الاطراف السياسية، واولها التحدي الاسرائيلي المتمثل باستمرار الخروقات لخط الحدود واقامة منشآت ومحاولة قضم بقعة ارض جديدة في رأس الناقورة، بالتوازي مع مهمة مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد لتحديد الحدود، عدا لجوئه الى شن عدوان تلو العدوان على سوريا انطلاقا من الاجواء اللبنانية، وثانيها مواجهة تداعيات ونتائج ما تخطط له الادارة الاميركية عبر «صفقة القرن» ولو انها ترنحت قليلا بسبب الوضع الانتخابي الاسرائيلي، وثالثها التحدي المالي والاقتصادي في ظل التأخر في اقرار الموازنة في المجلس النيابي حتى نهاية شهر حزيران، ورابعها معالجة ملفات النازحين السوريين والنفايات الصلبة والتلوث، واقفال ملف المهجرين، وتنفيذ خطة الكهرباء ومن بعدها سير تنفيذ تلزيمات النفط والغاز في البحر…. واللائحة تطول.