لا تنفي مصادر ديبلوماسية غربية ان المملكة العربية السعودية شجعت في الخريف المنصرم على انجاز الانتخابات الرئاسية في لبنان نتيجة المراجعات الكثيرة من جهة، ونتيجة اقتناعها بان المسألة الانتخابية تعود الى اللبنانيين من اجل اتمامها من جهة اخرى، بدليل عدم اعتراضها على دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية على رغم ما تركت هذه النقطة من علامات استفهام كبيرة للاسباب المعروفة. وتخشى هذه المصادر الا يكون سهلا اعادة اثارة الاهتمام السعودي بالوضع اللبناني مجددا في وقت يعتبر كثر ان المملكة فاقدة الحماسة لمتابعة الوضع اللبناني نتيجة اعتبارات متعددة من دون ان يعني ذلك عدم تشجيعها حصول الانتخابات الرئاسية. اول هذه الاعتبارات وجود انشغالات جديدة للمملكة برزت منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم ومعه فريق جديد وبرزت معه اولويات مختلفة تتصل باليمن الى جانب المسائل الاقليمية الاخرى التي لا تقل اهمية. وسبق ان تكرر هذا التقويم او تم لمسه من زوار المملكة او حتى من خصومها في لبنان الذين اخذوا على حلفاء المملكة انهم متروكون او انهم استقووا عليهم لان حلفاءهم الاقليميين في مكان آخر على غير ما هي حالهم لجهة الدعم الايراني المتمثل في زيارات غير منقطعة لمسؤولين ايرانيين الى بيروت تظهر مدى رعاية ايران للوضع اللبناني او دورانه في فلك ايران، او لجهة استمرار الدعم خصوصا متى كان هناك استثمار لقدرات “حزب الله” في الحرب السورية.
الاعتبار الثاني هو الانطباع الذي يخلّفه عدم وجود لبنان على رادار او شاشة الاهتمام السعودي كليا خصوصا لدى زوار من الديبلوماسيين الغربيين. فثمة اعتقاد قد يكون وراءه ان الدولة اللبنانية اضحت في ظل استرهان “حزب الله” الرئاسة اللبنانية وتعطيل حصولها منذ سنتين حتى الان، الى جانب السياسة الخارجية واقحام لبنان في الحرب السورية على رغم تبني الحكومة في بيانها الوزاري سياسة النأي بالنفس،هي دولة “حزب الله”. وهو الامر الذي يخشى انه لم يعد مشجعا لدول الخليج العربية على “الاستثمار” في لبنان سياسيا او غير ذلك من المستويات في ظل هذه المعادلة القائمة راهنا. فليس الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله وحده بات يدرج ايران والدفاع عنها في كل اطلالة له على نحو يجعلها قسرا جزءا من المشهد السياسي اللبناني في مقابل حملات انفعالية قاسية ضد المملكة السعودية من دون ايلاء اي اعتبار لا لعلاقة لبنان بالمملكة او بالدول الخليجية او احتراما لتاريخ طويل من الدعم السعودي للبنان او لاستقبالها آلاف اللبنانيين. بل ان المواقف التي اطلقها وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماعين اخيرين للجامعة العربية يتصلان بموقف يخص التضامن مع المملكة السعودية بعد حرق سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير باعتبارها ابرز دليل اخير على استرهان لبنان وعدم تمتعه بالكيان الاستقلالي العروبي الذي كان يحظى برعاية الدول العربية واهتمامها،خصوصا ان ضجة داخلية اثارها موقف اول لباسيل في هذا الاطار ما لبث ان كرره مجددا من دون ان يأخذ باي اعتبار موقف شركاء آخرين في البلد او مصلحة البلد متسببا بحرج لرئيس الحكومة ايضا في هذا الاطار. ومع ان لبنان سعى الى لملمة الاثار السلبية لمواقف باسيل ( وهو ما لا يشجع تاليا على التفكير بدعم العماد ميشال عون للرئاسة ) وكذلك الامر بالنسبة اليه شخصيا من خلال محاولة توجيه رسائل الى المملكة، تبريرية وما شابه، فان من اصيب في الواقع هو لبنان. ولا يزال بالنسبة الى المصادر الديبلوماسية الغربية صعبا ترميم هذا الواقع لجهة عدم اندفاع المملكة في شكل خاص لمساعدة لبنان في ظل الواقع الراهن او ما لم يتم التصدي له. وعلى وقع هذه المعطيات يفهم اندفاع الرئيس سعد الحريري في الخطاب الذي القاه في البيال في الذكرى الحادية عشرة لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري للتأكيد ان لبنان لا ولن يكون ولاية ايرانية بل هو عربي ونحن عرب. فهل لبنان دولة “حزب الله” يستمر حاجة للدول العربية،ومن هنا حتمية احتضانه ومساعدته ام لا؟
هذا الواقع يقول مراقبون انهم تلمّسوا انعكاساته على لبنان خلال الاشهر الاخيرة، وكانت مصاعب “تيار المستقبل” المالية والسياسية جزءا من التكهنات الكثيرة في هذا الاطار ولا تزال في ظل اقتناع كبير لدى خصوم الحزب بانه حتى لو صح تقويم المملكة والدول الخليجية في هذا الاتجاه، اي سيطرة الحزب على مقدرات الدولة اللبنانية وفق جملة المؤشرات المذكورة اعلاه وسواها، لكن هؤلاء يدفعون بضرورة التوجه الى الدول العربية من اجل المساعدة في مواجهة محاولة فرض او تكريس الامر الواقع المذكور، خصوصا ان هناك مقاومة فعلية داخلية لذلك وان كانت اصيبت بوهن نتيجة اعتبارات متعددة. ومع ان البعض يبرر التخلي العربي الخليجي عن لبنان راهنا بان المعركة مع ايران تتم في ميادين عربية اخرى من دون الحاجة الى خوضها في لبنان، ولان ما سترسو عليه معادلة الحرب القائمة في سوريا ستنعكس حكما عليه، فان منطق من يحض دول الخليج على عدم ترك لبنان من اجل تلقي الانعكاسات فحسب يدفع في اتجاه ان ثمة توازنا لا يزال قائما بنسب معينة، وان ثمة حاجة للحزب الى الاخرين بمعنى ان هناك اوراقا كثيرة يمكن استخدامها، الامر الذي يبرر عدم ترك لبنان يكون دولة “حزب الله” فحسب.