IMLebanon

هل بات اكتمال النصاب وتحقيق “الميثاقية” يحتاج إلى “النوعية” وليس “العددية” فقط؟

يغرق القادة في لبنان من حين الى آخر في جدل عقيم حول كل شيء لأن لكل منهم تفسيره لمواد في الدستور وتفسيره لـ”الميثاقية” بحيث صحَّ فيهم الحديث النبوي: “إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل ومنعهم العمل”… جدل في الحوار حول مواصفات رئيس الجمهورية مع أن الدستور حدد هذه المواصفات بوضوح. جدل حول آلية انتخاب الرئيس مع ان الدستور وضع آلية لهذا الأمر لا لبس فيها. جدل حول متى تكون الحكومة “ميثاقية” ومتى لا تكون، ومتى تكون جلسات مجلس الوزراء “ميثاقية” ومتى لا تكون، ومتى تكون جلسات مجلس النواب “ميثاقية” ومتى لا تكون، وهل تتحقق “الميثاقية” بحضور العدد المطلوب من النواب أم بحضور النوعية منهم، وان لا قيمة للعدد من دون النوعية… وهكذا صار تصنيف الوزراء أو الممثلين لهذا الحزب و”التيار” أو لهذا المذهب أو ذاك في الحكومة لا يكفي لتحقيق التوازن الطائفي فيها كما نص الدستور، بل صار مطلوباً تحقيق الأوزان فيها. فإذا تألفت الحكومة من أقطاب أو من الصف الاول فينبغي أن يتمثل كل مذهب بأقطابه ومن الصف الأول، واذا لم تتألف من أقطاب بل من الصف الثاني أو الثالث فينبغي أن يكون كل أعضائها من تصنيف واحد وصنف واحد لكي تكون “الميثاقية” محترمة. وقد امتد هذا التصنيف الى النواب فصار عدد النواب المطلوب حضورهم من الأقطاب أيضاً ليكتمل النصاب، وذلك احتراماً لمعنى “الميثاقية” وروحها.

وهكذا صار مطلوباً تشكيل حكومات من أوزان واحدة ولا يكفي تحقيق التوازن الطائفي فيها، وصار اكتمال نصاب جلسات مجلس النواب ليس بحضور العدد المطلوب، أي النصف زائد واحد أو حضور الثلثين بحسب طبيعة المواضيع المطروحة، إنما بحضور مكون مسيحي مهم أو مكون مسلم مهم، ومن دون هذا الحضور يفقد العدد وزنه، وتصبح النوعية أهم من العددية. وهذا معناه وجود نواب “بسمنة” ونواب “بزيت”، نواب أولاد جارية ونواب أولاد ست، ولم يعد للكمية قيمة بل للنوعية التي بها فقط تتحقق “الميثاقية” مع أن الدستور لا يميز بين وزير وآخر ولا بين نائب وآخر، بل قال إن كل نائب يمثل الأمة جمعاء، وإلا كان على الذين يميزون بين نائب وآخر من حيث التمثيل أن يسألوا عن صوت من فاز به سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، هل بصوت نائب قطب أم بصوت نائب عادي أو ملحق… ان هذا التمييز بين الوزراء والنواب وهذا التصنيف جعلا الرئيس حسين الحسيني يقول: “إن المعيار الوحيد الذي يتوقف عليه انعقاد الجلسة التشريعية أو عدمه يكمن في النصاب القانوني فقط، فإذا اكتمل النصاب تلتئم الجلسة وتقر القوانين بالأكثرية المطلوبة تبعاً لطبيعة القانون، وإذا لم يكتمل النصاب يتعذر التشريع. أما القول بان غياب بعض المكونات المسيحية أو الاسلامية عن الجلسة التشريعية يضرب ميثاقيتها ويمنع بالتالي انعقادها فهو قول مرفوض لأن مجلس النواب محكوم بالقواعد الدستورية المتصلة بالنصاب وبالأكثرية، وليس بحضور أو غياب هذا المكون أو ذاك، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بمشاريع ملحة ولا يجوز تأخيرها”.

ويستغرب الحسيني مقاربة مسألة “الميثاقية” بالمقلوب، معتبراً أن الاستهداف الحقيقي لجوهرها إنما يكمن بالدرجة الأولى في وضع قوانين الانتخابات النيابية بطريقة لا تحقق صحة التمثيل وعدالته. ويعني الرئيس الحسيني بذلك أن القاعدة النسبية، اذا ما اعتمدت، هي التي تحدد حجم كل نائب ولا تميز بين نائب وآخر، كما تميز بين من يفوز بأصوات رئيس اللائحة فيكون تابعاً له، ومن يفوز بأصواته ومن دون منّة أحد عليه.

وإذا كان الجدل الجديد تأميناً للميثاقية يدور حول تصنيف الوزراء بين قطب وعادي، وتصنيف النواب بين قطب وعادي أيضاً، وان لا قيمة للعدد إنما للنوعية، فقد سبق ذلك جدل آخر بين “الديموقراطية العددية” و”الديموقراطية التوافقية” بحيث بات متعذراً تشكيل أي حكومة إن لم تكن تجمع كل القوى السياسية الأساسية في البلاد مع تناقضاتها وخلافاتها وخصوماتها السياسية والحزبية والشخصية كي تسمى عندئذ حكومة “وحدة وطنية” وإن كاذبة… فبات على الرئيس المكلف توصلاً منه الى تشكيل هذه الحكومة أن يمضي وقتاً طويلاً يتجاوز أحياناً السنة التي تضيع من عمر العهد، عدا ما يلحق ذلك من ضرر بمصالح الوطن والمواطن، ما يجعل صوابية العودة الى “الديموقراطية العددية” التي تحكم بموجبها الأكثرية والأقلية تعارض، الى أن تصبح الأكثرية أقلية والأقلية أكثرية في انتخابات حرّة ونزيهة تجرى على أساس قانون عادل ومتوازن يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله.