Site icon IMLebanon

هل تصبح سورية ولاية روسيّة؟

أعلن وزير دفاع روسيا سيرغي شويغو، هذا الأسبوع، أن تنظيف مناطق شرق حلب من قوات المعارضة لن يستغرق أكثر من عشرين يوماً. ووعد الوزير القوات النظامية السورية والميليشيات الموالية لها، بأن بداية سنة 2017 ستشهد نهاية الاقتتال وتحرير أكبر مدينة صناعية على حدود تركيا، من سيطرة فصائل المعارضة.

واغتنم المبعوث الأممي الى سورية ستيفان دي ميستورا، هذه المناسبة ليجدد من روما دعوة روسيا وإيران الى استخدام نفوذهما من أجل إقناع الرئيس بشار الأسد بضرورة إعلان استعداده لحكم انتقالي يبدأ بمفاوضات فعلية.

على هذا الاقتراح، علقت مصادر تابعة للنظام بأن الهجوم الواسع الذي شنّه الجيش السوري في منتصف الشهر الماضي، شرق حلب، أدى الى سيطرته على أكثر من سبعين في المئة من المناطق التي انسحبت منها فصائل المعارضة، وعليه فهي ترى أن الانتصار العسكري يشجع السكان على العودة الى منازلهم بعد استتباب الأمن.

بريطانيا وفرنسا أخذتا موقفاً سلبياً من النتائج التي أفرزتها العمليات العسكرية الأخيرة في حلب ومدن أخرى. وقال وزير خارجية المملكة المتحدة بوريس جونسون، أن تقدّم قوات النظام السوري في مناطق شرق حلب لا يمثل انتصاراً للأسد أو بوتين. «هناك ملايين السوريين الذين لن يقبلوا هذه النتيجة، وسيواصلون القتال. لذلك أرى أن من الأفضل للرئيس بوتين، والذين يدعمهم، الجلوس الى طاولة المفاوضات بغرض التوصل الى اتفاق يبعد سورية من نظام الأسد».

وفسّرت موسكو كلام جونسون بأنه سلاح تحريضي يشجّع على مواصلة الاقتتال، كأن بريطانيا وفرنسا مرتاحتان الى غرق روسيا في المستنقع السوري. لهذا السبب، انتقد سفيرها في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، دعوة كل من فرنسا وبريطانيا الى عقد جلسة من خارج جدول الأعمال لبحث الوضع في حلب. وقال متحدياً: «نحن من جانبنا، نصرّ على بحث كل عناصر الأزمة، بما في ذلك محاربة الإرهاب والمسار السياسي».

مصادر الأمم المتحدة تؤكد أن الانتصار العسكري في حلب سينسحب على كامل الأراضي السورية، خصوصاً على محافظة إدلب. ومع أن هذه المحافظة تُعتبَر الأكثر أهمية من حيث عدد سكانها (مليونان وأربعمئة ألف نسمة) إضافة الى قوى المعارضة التي تنتشر في أرجائها، إلا أن استهدافها من روسيا والنظام بات أمراً منتظراً. خصوصاً بعدما تحولت خلال السنتين الأخيرتين، الى مأوى آمن لآلاف النازحين من ريف دمشق، الأمر الذي أضاف الى سكان المحافظة أكثر من مليون ونصف مليون نسمة.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، كان واضحاً وصريحاً بالنسبة الى موقف بلاده من المعارضين في حلب. ذلك أنه اشترط خروج جميع المسلّحين من شرق حلب، قبل أن تجري بلاده مسحاً شاملاً بكل الأضرار.

ويرى المراقبون أن محافظة إدلب ستتعرض للشروط ذاتها في حال قررت القيادة الروسية مهاجمة هذه البقعة التي تأوي أكثر من ثلاثمئة ألف مسلح ينتمون الى مختلف الميليشيات.

وقبل أن تنهي القيادة الروسية مهمتها العسكرية في حلب، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن إدلب شهدت عدداً من المجازر خلال مراحل متقطعة. وأكد المرصد أن الطائرات الحربية والمروحيات الروسية ألقت براميل متفجرة وصواريخ جو – أرض، محدثة أبلغ الأضرار بالأبنية والمحلات التجارية. وكانت حصيلة القتلى للحملة المكثفة التي قامت بها منذ منتصف الشهر الماضي، أكثر من ألف قتيل.

وأفادت أيضاً «شبكة شام» بأن الطيران الروسي ألقى قنابل عنقودية على مناطق عدة في محافظة إدلب، الأمر الذي أدى الى سقوط قتلى وإحراق منازل. كما أدى بالتالي الى تدمير سوق شعبية وفرن مات حوله 18 شخصاً كانوا ينتظرون دورهم لشراء خبز لأطفالهم.

الانتصارات العسكرية التي حققها النظام بدعم من الروس، قادت الى سلسلة مراجعات قام بها مسلحو المعارضة على مستوى الوطن بكامله. ومن المؤكد أن الموقف الأميركي الذي أعلنه الرئيس المنتخَب دونالد ترامب، كان له أبلغ الأثر على صعيد الفصائل الرافضة استمرار حكم الأسد. والسبب، أنه أعرب عن تأييده النظام بحجة أنه يحارب الإرهابيين، لأن مصلحة الولايات المتحدة تتأمن عند تحقيق هذه الأمنية. وعليه، أكد الرئيس الجديد أنه سيوقف المساعدات عن هذه الفصائل.

بين الدوافع الكثيرة التي ترجمت رغبة موسكو في الاهتمام بالجبهة السورية، كانت خطة الرئيس فلاديمير بوتين لإبعاد مجاهدي الشيشان بهدف إضعاف التمرد الإسلامي في روسيا. وللتدليل على هذه الرغبة، نشرت وكالة «رويترز» في الصيف الماضي، تقريراً يروي حكاية خمسة مقاتلين من داغستان وصلوا الى سورية بمعونة جهاز الاستخبارات الروسي. ثم تبين بعد ذلك، أن الكرملين قرر التخلص من المتطرفين بواسطة صفقات عقدها معهم. واللافت، أن الأجهزة أمّنت لهم جوازات سفر مزورة، وأطلقت عليهم أسماء جديدة، قبل أن تسعفهم وتنقلهم الى الحدود التركية حيث تسللوا الى داخل سورية وانضموا الى المعارضة. وبعد مدة وجيزة، ذكرت صحيفة «فيدومستي» أنه وصل الى الجبهة السورية 4700 مقاتل من القوقاز الشمالي.

لكن تلك الصفقة المريبة لا يمكن أن تحقق جزءاً صغيراً من الدور العسكري الكبير الذي تقوم به القوات الروسية في سورية!

ومن أجل إظهار حقيقة ذلك الدور، لا بد من مراجعة الأسباب الموجبة التي شجعت موسكو على استنفار رجال البحرية والقوات الجوية.

ويُستدَل من وقائع الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس بشار الأسد الى الكرملين، أن الوضع الميداني على مختلف الجبهات كان ينذر بسقوط النظام وانتصار المعارضة. لذلك، طلبت إيران من الأسد أن يستنجد بروسيا كملاذ أخير، لأنها لم تعد قادرة على إرسال مزيد من المحاربين، خوفاً من انهيار الجبهة العراقية.

ورأى الرئيس بوتين في طلب الأسد فرصة تاريخية يظهر فيها قدرات أسلحته المتطورة، ويقنع دول «الناتو» بأنه مخوّل بالإبحار في فضائها الرحب.

وبالفعل، أمر سيد الكرملين بنشر أكبر قوة بحرية روسية منذ انتهاء الحرب الباردة. وربما كان الغرض من وراء ذلك الاستعراض ترويج روسيا صناعتها الدفاعية. ذلك أنها باعت الصين حاملة طائرات من النوع الذي وصل الى المياه السورية «كوزنيتسوف». كما باعت حاملة طائرات قديمة أخرى للهند، مع سرب من طائرات «سوخوي» و»ميغ».

إضافة الى هذا كله، أرسلت موسكو الطرّاد الحربي «بطرس الأكبر» المحمّل بالصواريخ الموجهة المضادة للسفن، ومدافع يوجهها الرادار.

والثابت، أن القوات الروسية استخدمت مع المعارضة السورية الأسلوب الذي استخدمته مع أهل الشيشان. لذلك، اقترح الوزير الأميركي جون كيري ملاحقة روسيا أمام القضاء الدولي بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

كما دعا أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، الى تحويل الملف السوري الى محكمة الجنايات الدولية. وقال أمام مجلس الأمن، أن إفلات مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من العقاب يُعتبَر إهانة للمجتمع الدولي.

المعارضة السورية المحاصرة في حلب الشرقية تتهم موسكو بقصف مركّز ضدها طوال الأيام الماضية، بحيث مُنِعت من نقل الجرحى وتجنيب النساء والأطفال مزيداً من القتل. في حين تدّعي حكومة الأسد أن الثلاثة آلاف جندي روسي الذين يوجهون فرق «السيادة المشتركة» – السورية – الإيرانية – هم أصحاب القرار السياسي والسلطة التنفيذية. وبما أن بوتين انتقد أسلوب الأسد المهادن، فقد طلب منه تحييد عمله بانتظار ما سيسفر عنه «الانتداب الروسي»، أي الانتداب الذي يمسك بمقاليد القرارات الداخلية المتعلقة بتسيير دفة الحكم. ونزولاً عند طلب الروس، استبدل بشار الأسد قائد الحرس الجمهوري اللواء بديع مصطفى علي بطلال مخلوف.

ومع أن علي مملوك ما زال مشرفاً على أجهزة الأمن القومي، إلا أن موسكو تعتمد على اللواء ديب زيتون – رئيس شعبة الاستخبارات العامة – في تأمين مصالحها. علماً أن الرئيس بشار الأسد يطمئن الى مملوك الذي أغرق ميشال سماحة في ورطة يدّعي أنه يجهل تفاصيلها.

ومن أجل التحكم بكل شاردة وواردة، أنشأت روسيا خلية مراقبة إلكترونية في قاعدة «حميميم» الجوية الساحلية. ومن هذه القاعدة، رصدت الاستخبارات الروسية معلومات مفيدة عن محاولة الانقلاب في تركيا سلّمتها الى أردوغان. ومقابل تلك الخدمة، وعد أردوغان صديقه بوتين بألا يتجاوز دخوله في الأراضي السورية أكثر من 12 كلم.

يقول ضابط سوري أن القوات الغريبة التي تساهم في إحياء النظام، تتوزع المواقع بطريقة التقاسم. فالشطر الجنوبي الغربي يهيمن عليه «الحرس الثوري» الإيراني و»حزب الله». بينما الشطر الشمالي الغربي يهيمن عليه الروس الذين يشيدون على مقربة من المدينة الأثرية قاعدة عسكرية.

ومن المرجح أن خطوط التقاسم بدأت ترسم خطوط الخلاف بين السوريين الذين يريدون استرجاع كل سورية، في حين يكتفي الروس باسترجاع «سورية المفيدة» فقط.

وعبارة «سورية المفيدة» تعبير أطلقه بشار الأسد على المناطق التي تنتشر فيها القوات النظامية، الأمر الذي يجعل من «سورية غير المفيدة» مكاناً لقواعد الميليشيات المعارضة.

وبين مطلب النظام ومطلب القوة الروسية، هوّة سحيقة من الصعب أن تردمها القوات الغريبة التي استوطنت الوطن المشلّع!