إذا كان الأقطاب الموارنة لم يتوصلوا الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، أفلا يتفقون حتى على عمل الحكومة وعمل مجلس النواب في انتظار أن تحلّ الأزمة الرئاسية وقد بات حلها في الخارج؟
لقد نصّت المادة 75 من الدستور على “أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة أو أي عمل آخر”.
ولهذا النص تفسيران يثيران الخلاف: تفسير يقول إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية في الجلسة المخصّصة للانتخاب ولا يجوز مناقشة أو أي عمل آخر فيها غير الانتخاب. وتفسير آخر يقول إن المشترع قصد باعتبار المجلس هيئة انتخابية خلال الجلسة المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية فقط ولا يحق لها أن تكون هيئة اشتراعية. أما في الجلسات العادية والتي هي غير مخصّصة للانتخاب فإن المجلس يعود هيئة اشتراعية.
وحيال هذا الخلاف، ولا سيما بين الأقطاب الموارنة والأحزاب المسيحية مثل حزب الكتائب، ثمة من يرفض اعتبار المجلس هيئة اشتراعية بل هيئة انتخابية لا مهمة لها سوى انتخاب رئيس الجمهورية وبعد ذلك يصبح هيئة اشتراعية، في حين يرى آخرون خلاف ذلك ويتساءلون: هل يبقى مجلس النواب معطلاً الى أن ينتخب رئيس للجمهورية حتى لو انسحب ذلك ضرراً على مصالح الوطن والمواطن، خصوصاً عندما يكون مطلوباً من المجلس المصادقة على مشاريع حيوية ومهمة وتتصل بالأوضاع الاقتصادية والمالية؟
ولأن الأحزاب المسيحية والأقطاب الموارنة لم يتفقوا حتى على اعطاء تفسير واحد للمادة 75، فإن منهم من يشترط لحضور جلسة تشريع الضرورة إدراج مشروع قانون الانتخابات النيابية ومشروع قانون استرداد الجنسية على جدول أعمالها، ومنهم من يرفض حضور اي جلسة، مثل الكتائب، لمناقشة أي مشروع قبل أن ينتخب رئيس الجمهورية. أضف الى ذلك خلاف آخر حول عمل الحكومة، هل هي حكومة مطلوب منها اتخاذ القرارات المهمة كونها تمارس بالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية، أم أنها حكومة مهمتها التحضير لانتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة قصيرة ثم تخلفها حكومة جديدة بعد انتخاب الرئيس؟
الواقع أن المشترع لم يفكر في أنه سيأتي يوم يخالف فيه نواب أحكام الدستور ويعطلون جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بتغيبهم عنها من دون عذر مشروع، وإلا كان أوضح عمل المجلس في حال عدم انتخاب رئيس من دون لبس، كما أنه لم يفكر في أن الحكومة التي تنتقل اليها موقتاً وبالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية سوف تستمر الى ان يتمّ انتخاب الرئيس، بل كان حدّد عمل الحكومة في حال طالت مدّة الشغور الرئاسي، ووضع آلية لاتخاذ القرارات، وهل تحتاج كلها الى توقيع كل الوزراء، أم ينبغي تطبيق أحكام المادة 65 من الدستور التي تحدّد المواضيع التي تحتاج الموافقة عليها الى الأكثرية العادية وتلك التي تحتاج الى موافقة الثلثين لأن شرط توقيع كل الوزراء أي مرسوم يجعل كل وزير ولأسباب شتى يعطل صدوره بمجرد الامتناع عن توقيعه.
وها إن النواب يختلفون أيضاً على تحديد جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة، فمنهم من يريد إدراج المشاريع التي لا خلاف عليها وعدم تقدم المشاريع المثيرة للخلاف مثل قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب وقانون استعادة الجنسية، لأنها مشاريع يحتاج إقرارها الى مناقشات والى أكثر من جلسة، في حين أن المشاريع التي لها طابع إنمائي واقتصادي ومالي والتي لا خلاف عليها يجب أن تكون لها الأولوية في المناقشة والاقرار، ومنهم من لا يعترف بشرعية أي قانون يقرّه مجلس النواب لأنهم يعتبرونه هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، وقد يطعنون بها كما تهدّد الكتائب.
وإذا كانت “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” اتفقا على التقدم باقتراح مشروع قانون معجل باستعادة الجنسية اللبنانية للمغتربين المستحقين تنفيذاً لبند من بنود ورقة “اعلان النيات”، فهل يعترف حزب الكتائب بشرعية إقرار هذا المشروع إذا ظلّ مصراً على اعتبار المجلس هيئة انتخابية فقط، في حين أن الناس كانوا يفضلون لو أن حزبي “القوات” و”التيار” اتفقا على تنفيذ بند آخر في الورقة، وهو الأكثر ضرورة، والذي ينصّ على “انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى والإيفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الوطنية الفعلية الميثاقية والمصلح الوطنية العليا”. فإذا كانت هذه هي المواصفات التي حدّدها الحزبان للرئيس، فماذا ينتظران للاتفاق عليه، وباتفاقهما يتأمن نصاب جلسة الانتخاب ويخرجان ورقة الرئاسة من أيدي أي خارج ومن سوق المزايدات والصفقات على حساب سيادة لبنان وحريّة قراره.