كأن العدّ العكسي لانتخاب رئيس الجمهورية قد بدأ فعلاً. الأجواء السياسية المتغيرة واللهجات السياسية المتبدلة، وربط الألسن وضبط التصريحات، كلها مؤشرات تدل على أن الدوران في الفراغ الرئاسي في لبنان، قد انتهى أجله أو كاد، وان القوى الدولية والاقليمية التي فرضت الاستقرار النسبي القائم في لبنان منذ اندلاع شرارة الأزمة السورية، قررت أن توسع هامشه عن طريق تعبئة الفراغات الدستورية كبيرة وصغيرة.
وواضح أن العين على النائب سليمان فرنجيه، منذ ما قبل اهتزاز صورة علاقته بالعماد عون، على خلفية تفرد الأخير بالمواقف التصعيدية على المستويات الشارعية، وثمة من يقول إن أول طرح علني لاسم فرنجيه صدر عن النائب وليد جنبلاط، وثمة قول آخر يرد فضل أولوية الطرح الى السفير الأميركي السابق في لبنان دايفيد هيل، الذي خص جنبلاط بالتشاور معه في هذا الموضوع.
وثمة قول ثالث ينسب الى الرئيس سعد الحريري اطلاق اسم فرنجيه في سوق الرئاسة منذ ثمانية أشهر. وأكثر من ذلك يقول عضو في وفد اعلامي لبناني زار طهران في ايلول الماضي، ان الوفد سمع اسم فرنجيه على لسان سفير ايران السابق في لبنان الذي قضى لاحقاً في تدافع موقع منى في الحج، المرحوم غضنفر ركن ابادي، وامام استغراب البعض، دعاه ابادي الى ان يتابع حراك النائب فرنجيه لأنه سيكون الشخص المناسب في المكان المناسب…
وبمعزل عمّن سماه قبل الآخر، من المؤكد ان مواصفات فرنجيه السياسية هي التي زكته للموقع اللبناني الأول، خارجياً، والى حد ما داخلياً، بحيث بعدما استعصى تفاهم الداخل على رئيس، ارتؤيت المعادلة التالية: رئيس من فريق الثامن من آذار، عضو في رباعية الأقوياء المعتمدين من بكركي، يختاره أقوياء ١٤ آذار، ومن هنا تحرك الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.
ولهذه المعادلة وجه آخر: الرئيس من ٨ آذار، تقابله حكومة وحدة وطنية برئاسة من ١٤ آذار، وتحديداً الرئيس سعد الحريري.
وقد لعب الوضع الاقليمي، وبالذات السوري، دوره في توقيت الدخول في الحلول اللبنانية، فالحشد العسكري الدولي ضد داعش، يوازيه حشد دولي سياسي للدخول في المرحلة الانتقالية السورية.
وانتقال السلطة في سوريا، ستكون له ارتداداته على لبنان، ما يوجب استقرار السلطة اللبنانية دستورياً، بانتخاب رئيس قادر على تجاوز المرحلة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مهيّأة لتحمل المسؤوليات.
ثمة من يبالغ في ربط هذه التطورات اللبنانية الايجابية المنحى، بمتطلبات الوضع في سوريا، وان الجرافة الدولية القائمة يشق طريق فرنجيه الى بعبدا، أهدافها تتخطى الأوضاع اللبنانية، يقابله قول آخر خلاصته ان سعد الحريري رشح سليمان فرنجيه لحل أزمة لبنان أولا، بعدما ضاقت الخيارات أمام الجميع، فمثلا لا تستطيع اليوم ان تقول اما سليمان واما الفراغ، لأن الفراغ حاصل، وما يمكن ان يطرح اليوم كما قال سليمان فرنجيه بعد عشاء جنبلاط على شرفه عدم التقاط فرصة ترشيحي قفزة في المجهول…
مرجعية لبنانية متابعة، تطرّقت الى المعترضين على ترشيح فرنجيه أو المتحفظين، بسبب المنافسة الرئاسية أو الخط الرئاسي المغاير بالقول: ان من ينتخبه مجلس النواب رئيساً، أياً كان يصبح رئيساً للبنان وبالتالي لكل اللبنانيين، بمعزل عن المعايير والمواصفات، لأن كرسي الرئاسة لا تحكم بمنطق المحاور، ولا بمنطق الأحزاب، انما بالتوافق الذي هو شأن رئاسة المجلس ورئاسة مجلس الوزراء. ولا يرى داعياً لوضع قانون الانتخابات بمقابل انتخاب رئيس الجمهورية، بل يقابل الرئيس سلّة تفاهمات تشمل مجلس الوزراء العتيد والمواقع الأساسية في الدولة، مع التزام الحكومة في بيانها الوزاري بأولوية قانون الانتخابات العتيد…
وعن مدى استمرار المعارضين أو الغاضبين أو العاتبين على هذا الحال، تقول المرجعية عينها: السياسة كالقطار، اذا لم تصعد اليه، يفوتك… –