هل يمكن القول للازمة “اشتدي علَّها تنفرج” وإن على وجه النفايات… وان يستطيع الرئيس نبيه بري بحنكته وطول اناته تحويل طاولة الحوار “مطمراً” للخلافات، أو ما يشبه “المخمر” لإنضاج ثمرة الرئاسة الاولى كما ينضج ثمرة الموز ولكن بـ”كربور” ايراني – سعودي – اميركي؟
الواقع ان الرئيس بري لم يدع الى جلسات حوار للحوار فحسب، انما لوضع خريطة طريق للخروج من تناسل الازمات، مكرراً للمتحاورين قول ما قاله في مهرجان الصدر: “حتى لا نعثر على وطننا في مكب التاريخ، علينا اعادة توحيد الارض والشعب والمؤسسات، بما يشكل نموذجاً لبنانياً لإخراج الاقطار العربية من التفكك ومشاريع تقسيم المقسم، وان الامتحان هو بالحوار، ولا خلاص إلا بالحوار”.
والسؤال المطروح هو: كم من الوقت يحتاج اليه الحوار لإنضاج طبخة الرئاسة، بعدما تأكد ان الانتخابات الرئاسية يجب ان تتقدم اي موضوع آخر؟ فـ”حزب الله” يكرر في كل جلسة حوار القول إن اتصالات تجري بين “تيار المستقبل” والعماد ميشال عون قد تساعد على حلحلة العقد، وهي اتصالات لا يرى التيار اي جدوى منها اذا لم يكن العماد عون بات مقتنعاً بالبحث عن مرشح تسوية للرئاسة أو مرشح توافقي، ولا يزال “التيار الوطني الحر” يرى تسهيلاً لإجراء انتخابات رئاسية ان ينتخب الرئيس مباشرة من الشعب، او اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية بحيث ينبثق منها مجلس نيابي يمثل ارادة الشعب تمثيلاً صحيحاً وينتخب رئيساً جديداً للجمهورية لا غبار على صحة تمثيله. لكنّ الاخذ بهذا الاقتراح يتطلب تعديل الدستور وقد لا يكون ذلك بالامر السهل، عدا انه يفتح الباب لتعديل مواد اخرى مثل المادة 49 بهدف انتخاب القضاة وموظفي الفئة الاولى وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام، فكان استبعاد لكل حل يتطلب تعديلاً للدستور.
وثمة من يرى، ومنهم الرئيس بري، الاتفاق على سلة واحدة تشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والحكومة حتى يجد الرئيس بعد انتخابه الطريق ممهّدة امامه ولا عراقيل تواجهه لا في الاتفاق على قانون للانتخاب ولا في تشكيل الحكومة، اي أن يسفر الحوار عن اتفاق شبيه بما اسفر عنه مؤتمر الدوحة، بحيث يستطيع الرئيس العتيد الانطلاق بسرعة نحو تحقيق المشاريع الملحة ولا سيما منها اولويات الناس، ولا يضيع وقته في انتظار الاتفاق على قانون جديد للانتخابات يقصر مدة التمديد لمجلس النواب ولا يؤدي استمرار الخلاف عليه الى استمرار تأجيل الانتخابات حتى عام 2017 في حين ينبغي اجراؤها عام 2016 كي يبدأ العهد الجديد بمجلس نيابي جديد، ولا يضيّع الرئيس المنتخب وقته ايضاً في تشكيل أول حكومة فيطول وقت الاتفاق على تشكيلها أشهراً عدة، كالعادة، وهو وقت ثمين لا يجب اضاعته على ذلك، بل توفيره لأعمال مجدية اذا ما توصل المتحاورون الى اتفاق على سلة كاملة. لكن مع اهمية هذا الاقتراح فان الموافقة عليه قد تحتاج الى وقت، في حين ان الملح الآن هو انتخاب رئيس للجمهورية، وبانتخابه يصير في الامكان البحث في كل المواضيع، خصوصاً تلك التي له رأي فيها مثل قانون الانتخاب وتشكيل حكومة قد يرى ان تتألف من مستقلين ضماناً لحسن سير العملية الانتخابية وضماناً لحرية الناخب ولنزاهة هذه الانتخابات التي قد لا تكون كذلك عندما يكون الوزير مرشحاً فيجعل من وزارته وسيلة لتأدية الخدمات لأنصاره ومحازبيه.
إن الحوار بين الاقطاب سوف يستمر حتى لو ظل أحياناً حوار طرشان في انتظار ان يتحقق تقارب سعودي – ايراني انطلاقاً من حل للازمة اليمنية قد يقرّب فرص النجاح لحل الازمة السورية، فيكون الحوار عندئذ جاهزاً لبلورة الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وبعد انتخابه يتم التوصل الى حلول لمواضيع اخرى يساعد التقارب السعودي – الايراني على التوصل اليها.