IMLebanon

هل تنجح بكركي باستعادة المبادرة المسيحية؟

يبدو أن بكركي أدركت عمق المأزق الذي يعيشه المسيحيون في لبنان- وإن كان من خلال العنوان الرئاسي الذي بات الشغل الشاغل والهمّ الأساس لمسيحي 14 آذار- فبدأت «برعاية» المبادرات واللقاءات والبيانات التي تدعو إلى عدم التفريط بالمكسب الأهم والوحيد لمسيحيي الشرق وهو منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية.

في الأسبوع الماضي شهدت بكركي لقاء جَمع نواب مسيحيين من 14 آذار ونواب مستقلون حملوا إلى البطريرك الراعي مبادرة لم تستطع أن تحيا لأكثر من يوم واحد، بعد أن «ماتت» على مدخل الصرح البطريركي، بعدما « تبرّأ» الكاردينال الراعي من «فخّ» النِصاب الذي حاول البعض أن يستثمر منبر بكركي كي يمرره، فكان البطريرك بالمرصاد عندما أعاد الكرة إلى ملعب الرئيس بري وقال بضرورة التوافق مع النواب على الصيغة التي يقبلها الجميع.

أما هذا الأسبوع فقد شهد إعادة إحياء «لقاء سيدة الجبل» بشكل مفاجئ والذي تأسس في العام 2000 وشهد وبحسب مصادر مسيحية، «هجرات» متتالية كان آخرها عندما أوصد سيد بكركي البطريرك الراعي أبواب فتقا في وجه اللقاء وبقي مقفلا لمدة 4 سنوات، ليعود منذ أيام ويعقد خلوته الحادية عشر بحضور حشد من النواب السابقين والحاليين والمطران يوسف بشارة «عرّاب» «قرنة شهوان» إضافة إلى ممثلين وأحزاب ناشطين في المجتمع المدني، ليخرج البيان الختامي في الختام «باهتا» لم يكن على مستوى العودة أو حتى التحديات المفروضة على لبنان وقوى 14 آذار وتحديدا المسيحيين منهم… فما سبب هذا اللقاء وما الغاية المرجوة منه؟

تجيب المصادر المسيحية المطلعة على حركة بكركي أن البطريرك الراعي وبعد تواصله الأخير مع أبرز الأقطاب المسيحيين والممثلة بالتيار الوطني الحر ّ والقوات اللبنانية، وبعدما لم يُوفق بإصلاح ذات البيْن مع الطرفين -رغم مباركته الحوار الدائر بينهما- أدركت بكركي أنه من المفيد الإنفتاح على بعض الشخصيات المسيحية التي كان لها شأن في العهد الذهبي لـ14 آذار، حتى من دون الرهان على أي تغيير في الوضع الحالي، والهدف هو محاولة لمّ شمل المسيحيين من أجل مواجهة الإستحقاقات الصعبة التي تحاصرهم في الداخل وفي المحيط أيضا، فكانت نصيحة بكركي «لأبناء سيدة الجبل» أن يكون البيان الختامي فيه نبرة إعتدال من دون إستفزاز أحد.

في المقابل ترى أوساط مقربة من 8 آذار أن» لقاء سيدة الجبل» لم يأتِ بجديد يذكر ولم يقارب ملف رئاسة الجمهورية ـ التي هي إستحقاق مسيحي بالدرجة الأولى ـ إلا بشكل عارض، علما أن بكركي الراعية الروحية لهذا الإستحقاق قد دخلت بشكل جديّ على خط الرئاسة -وهي مع الفاتيكان- «يتبنيان» العمل من أجل تنفيذه حماية للبنان ولمسيحيي الشرق، وتتابع المصادر أن التعويل على شخصيات مثل سعيد وفرنجية -ممن عفا عليهم الزمن- لا يخدم لا ملف الرئاسة ولا حتى الدور المسيحي في لبنان، والذي يبدو أن مستوى الفراق بين أطيافه أصبح فاضحا وبشكل عامودي ما يصعّب مهمة بكركي وحتى الموفد الرسولي من الفاتيكان.

وتتساءل المصادر نفسها عن أهمية الإستمرار في عقد لقاءات مثل التي عُقدت الأسبوع الماضي في بكركي أو حتى ما سُمي باللقاء «الوسطي» برئاسة ميشال سليمان وصولا إلى لقاء سيدة الجبل. وحتى زمن «قرنة شهوان» – الميت سريريا – كلها تجمعات وان كانت بعناوين مختلفة ولكن بهدف واحد هو حماية الوجود المسيحي في لبنان، وكتحصيل حاصل الحفاظ على ما تبقى من منصب رئاسة الجمهورية الذي يبدو مفاتيحه بعيدة عن متناول بكركي .. وسائر اللقاءات!

ولكن ما الجدوى إذاً من إعادة تفعيل هذه اللقاءات، تجيب المصادر: أدركت بكركي أنها في خضم أزمات كبرى ضربت لبنان والتوافق المسيحي حيث لم تستطع البطريركية أن تلعب دورا فعالا او ان تحتوي كل الأهواء والتيارات، وكانت غصباً عنها تنجرف لطرف وتكسب خصومة طرف آخر، ما حرمها من «خيمة» الإجماع التي يتوجب على أي كنيسة أن تتمتع بها ، وهذه كانت نصائح الفاتيكان عن ضرورة إعادة تفعيل دور الكنيسة المسيحية في لبنان لأنها النموذج الأهم لكل مسيحيي المشرق وتحديدا في ظل ما يتعرضون له من تهجير ومحاولة إلغاء، حيث يبقى لبنان المتنفس الأخير للوجود والدور المسيحي الذي لا يمكن أن يتبلور من دون توافق داخل الطائفة الواحدة حيث كل فريق فيها يغني على… مصلحته!

تختم أوساط مسيحية معتدلة بالقول، إن الهاجس الذي يؤرّق بكركي -ومن خلفها الفاتيكان- هو السؤال لماذا تراجعت المبادرة المسيحية في لبنان وما هو دور بكركي في هذه الظروف الحسّاسة، وهل يمكن كما يُهمس في الكواليس أن تتصدى بكركي لتنظيم حوار موسّع يضمّ كل الأقطاب المسيحية المؤثرة ومن ضمنها مسيحيي 8 آذار من أجل رأبْ الصدع على مستوى الطائفة، وتأثيره أيضا على الحوار الإسلامي ـ المسيحي الذي يبدو حاليا نوعا من «الترف» في زمن الفتنة المذهبية والتكفير وقطع الرؤوس، كلها أسئلة تبقى برهن التحركات المقبلة للبطريركية التي فتحت صرحها من جديد أمام كلّ… «المؤمنين والوطنيين»!